سكان القبور لن يستطيعوا أن يفكروا بأمور حياتنا المتغيرة بالنيابة عنا، فدعونا نُخضع قضايانا الحياتية للنقاش والنقد والتحليل، حتى يمكننا أن نفهم ما يدور حولنا ونستطيع أن نتطور.تستند الغالبية العظمى من المسلمين والعرب إلى أفكار وتحليلات وطبيعة سلوك من هم في القبور، للبحث عن تفسيرات للمشاكل والقضايا التي تواجهنا في حياتنا المعاصرة.
فالملاحظ أن مَن يتحكم ويوجه حياة المسلمين والعرب فكرياً وفلسفياً، هم أناس قد فارقوا الحياة منذ أمد بعيد، وبعيد جداً في أغلب الأحيان، وذلك في اعتقادي هو أحد الأسباب الرئيسية لتخلفنا.
إن الذين يتحكمون في أفكار وسلوك الناس وهم في قبورهم لا يجب أن تكون لهم القدسية، وقد عاشوا في ظروف زمانية ومكانية غير التي نعيش فيها الآن، خاصة ونحن نرى سرعة تغير العالم الذي بالضرورة تتغير معه الأفكار والرؤى.
ويكفي أن نتخيل ما كان عليه وضع العالم قبل اكتشاف الكهرباء مثلا أو قبل ثورة الاتصالات والفضائيات والإنترنت ووضعه الآن، لنعرف مدى الفرق بين الزمانين، أو لنتخيل لو أن مستخدمي الحمام الزاحل كان باستطاعتهم استخدام البريد الالكتروني.
دعونا مثلا نتصور كم من الوقت سيحتاج المسافر من الجزيرة العربية في القرن الأول للهجرة ليصل الى أوروبا، ناهيك عن وسيلة سفره، ومقارنة بالوقت الذي تستغرقه الرحلة الآن بطائرة «كونكورد» مثلاً.
بالتأكيد، فإن افكار العلماء والمفكرين والفلاسفة في كل زمان ومكان ستتأثر بالظروف البيئية المحيطة، أي أن أفكار فلاسفة وعلماء القرون الوسطى ستختلف قطعاً لو أنهم عاشوا في الألفية الجديدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدباء والشعراء والفنانين من ناحية أخرى، فإن السياق التاريخي الذي تجري فيه الأحداث يختلف باختلاف الزمان والمكان، وبالتالي فإن ما كان يفسره الأولون منذ آلاف السنين على أنه حقيقة مطلقة أو غير مقبول اجتماعيا، ليس بالضرورة أن يكون كذلك الآن.
دعونا لا نذهب بعيدا، ففي خمسينيات القرن الماضي لم يكن عمل المرأة أو تعليمها أو حتى قيادتها للسيارة مقبولاً اجتماعياً في الكويت، والآن العكس تماما هو الصحيح.
مُحزن أيضا أن تكون أفكار ورؤى من هم في القبور في مجتمعاتنا غير قابلة للنقاش والنقد والتحليل. ففي المجتمعات الحية تجد أن أفكار الفلاسفة والمفكرين الأموات يجري نقدها وتحليلها ومعارضتها مع أن أغلب الفلاسفة والمنظرين والمفكرين الذين يتأثر بهم الناس ويتابعونهم أحياء يعيشون بينهم ويخضعون لظروف حياتهم نفسها، ومن الممكن مناقشتهم ونقد أفكارهم، بل إن بعض هؤلاء الفلاسفة المفكرين يجرون، هم أنفسهم، مع تغير الظروف، عمليات مراجعة لأفكارهم ورؤاهم، من الممكن أن يترتب عليها تغيير جذري.
إن سكان القبور لن يستطيعوا أن يفكروا بأمور حياتنا المتغيرة بالنيابة عنا. فدعونا نخضع قضايانا الحياتية للنقاش والنقد والتحليل حتى يمكننا أن نفهم ما يدور حولنا ونستطيع أن نتطور.