كل الشعراء... أنانيون
الشعر كائن أناني جدا،
لا يعرف الاكتفاء... ولا يقبل الشراكة... بقدر ما تنذر نفسك له، ينذر نفسه لك... يتملكك حتى لا تعود تفصل بين ما هو ملكك وخاص بك، وبين ما هو ملكه، لا يمكن ان تضع حدا لنهمه في اخذ كل ما هو لك، يريد كل ما تقع عليه عيناه بين يديك، يتدخل في أدق أدق خصوصياتك، يشاركك: وطنك، حبيبتك، اسرتك، وحدتك، فرحك، حزنك، وقتك.. الخ يرافقك حتى في مواعيدك الخاصة، ويملي عليك كلمات الغزل التي «تختارها» لمحبوبتك اكثر من هذا انه يصر على ترتيب يومك كيفما يريد لا كما تشتهي. وغالبا ما يجبرك على ان تعيش طقسه هو الخاص ومناخه بغض النظر عن صيفك او شتائك. وتتجلى صور انانيته احيانا عندما يلح عليك في وقت قد لا يكون ملائما لك، الا انه يفرض حضوره عليك، ويجبرك على ان تنعزل معه جانبا «وتضيفه» متجاهلا كل ما عداه، ولابد ان تبدي سرورك ورضاك عن هذه العزلة الاجبارية. يختار لك ما تقرأ، وما تكتب، ونوعية الورق والقلم، ويحدد لك المكان والزمان المناسب للقراءة والكتابة، ويختار نيابة عنك اصدقاءك وجلساءك، وحتى اسماء اولادك. اي مصادرة للذات اكبر من ذلك؟ والشاعر رهن لتقلب مزاج الشعر واهوائه، ويدفع الشاعر الكثير مقابل هذا الارتهان، ليس اعظمها ارتباك علاقات الشاعر الاجتماعية، وحتى ارتباك علاقة الشاعر مع نفسه! وبالرغم مما يدفعه الشاعر نظير هذه العلاقة «الحية» مع السيد الشعر، الا ان الشعر اناني وطماع بطبعه، لا يكتفي ابدا ويطلب المزيد، كالنار التي لا تكتفي بالحطب، ولكن الحطب هنا هو الشاعر نفسه وكل ما يعتقد انه ملكه وخاص به. نتيجة لهذه العلاقة الغريبة (الشاعر والشعر) والتي يضع شروطها ويتحكم بها طرف واحد (الشعر)، فان الشعراء جميعهم بلا استثناء انانيون، واجزم انه ليس هناك شاعر واحد على الارض غير اناني، اقصد بالطبع «شاعر حقيقي»، والشاعر الحقيقي في نظري هو ذلك الشخص الذي لا يرى له اي كينونة خارج عالم الشعر، ذلك الذي يمثل الشعر بالنسبة له رئته الحقيقية التي يتنفس من خلالها... اقول ان اي شاعر هو اناني سواء بطبعه او بطبيعة العلاقة التي تربطه بالشعر، والغريب ايضا انه كلما احترقت اصابع الشعر في جمرة الشعر اكثر ازدادت انانيته اكثر!! انانية الشاعر يتعلمها من انانيته المطلقة، فهذا يعني بالضرورة قبوله ضمنيا بممارسة الانانية على غيره، وما من شاعر بريء من تهمة الانانية، واذا اردتم ان تتأكدوا من كلامي اسألوا حبيبات الشعراء، فهن اكثر معايشة لهذه الانانية وتعاسة. اما غرور الشاعر فله وطن!!