Ad

على الذين استفزّت ظاهرة «صحوة العراق» أعصابهم وأثارت ردود أفعالهم الصاخبة والمهددة والمتوعدة، أن يبدأوا بأنفسهم، وعليهم أن يحلّوا ميليشياتهم، وأن يوقفوا تغلغل هذه الميليشيات في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وذلك كي تصبح الأجهزة الأمنية العراقية أجهزة وطنية وللعراقيين كلهم، وكي يعود الجيش العراقي كما كان خلال ثمانين عاماً جيشاً وطنياً.

الذين يعترضون الآن على ظاهرة «صحوة العراق» ويثيرون كل هذه الضجّة هم أنفسهم الذين أقنعوا الأميركيين من أجل عزل «السنّة العرب»، حتى قبل أن تصل قواتهم إلى هذه المنطقة ويبدأوا حرب عام 2003، بأن هؤلاء هم أتباع صدام حسين وأنهم هم المادة الأساسية لنظامه الدموي وأنهم هم جيشه ومخابراته وحرسه الجمهوري... ولذلك فإن عليهم أن يدفعوا الثمن وأن يتم عزلهم ومعاملتهم معاملة المهزوم أمام المنتصر.

والمؤسف حقاً أن الأميركيين قد وقعوا في هذا الشرك، الذي نُصب لهم أو الذي نصبوه لأنفسهم، وكانت النتيجة أن «السنّة العرب»، الذين عوملوا كمعاملة الأيتام على موائد اللئام والذين جرى تقسيم الكعكة العراقية، ولم يكن نصيبهم منها إلا «الفُتات» قد تحوّلوا إلى «قاعدة» وقد حوّلوا مناطقهم إلى قواعد لهذه القاعدة فكانت أربع سنوات قاسيات سواء بالنسبة للدولة المحتلة أميركا أو بالنسبة للعراق وأمنه واستقراره.

لم يقل هؤلاء الذين يثيرون كل هذه الضجة الآن ضد «صحوة العراق» لأميركا ووكلائها، الذين جاءوا إلى العراق بالعقلية نفسها وبالمفاهيم إياها التي جاء بها أجدادهم إلى القارة المكتشفة والتي كان كل أهلها من الهنود الحمر، إنّ حزب البعث الذي حكم صدام حسين باسمه ومن خلال أجهزته بلاد الرافدين بالحديد والنار لم يكن السنّة العرب يشكلون إلا ما يقدر بنحو عشرين في المئة من قواته العددية، وإن ثمانية وثلاثين من أصل خمسة وخمسين من قادة النظام السابق الذين وُضعت صورهم على «أوراق اللعب» كانوا من غير أبناء الطائفة السنية.

لقد تصرّف «المنتصرون» بعقلية ثأرية قديمة، وهم عزلوا السنّة العرب واستأثروا بالتحالف مع الأميركيين بحجة أن السنّة العرب كانوا بعد الحرب العالمية الأولى قد تحالفوا مع البريطانيين، وكانوا على أساس هذا التحالف قد استأثروا بالسلطة لنحو أكثر من ثمانين عاماً، وأنه «كما تدين تدان» ولقد جاءت لحظة الانتقام، وعليهم أن يدفعوا ثمن هيمنتهم على مقاليد الأمور كل هذه الأعوام الطويلة.

ولذلك ولأن المعادلة، التي استمرت منذ عام 2003 إلى ما قبل أقل من عامٍ بقليل، قد انقلبت رأساً على عقب، ولأن الأميركيين اكتشفوا أن «السنّة العرب» ليسوا رقماً زائداً في هذه المعادلة العراقية الجديدة، وأنه ليس بإمكان أيٍّ كان ضبط الأمور في العراق من دونهم، فقد جاء هذا التحول الذي بدأ يعطي ثماره منذ أيامه الأولى، حيث تم إطفاء معظم نيران ما يسمى المثلث السني الملتهب، وحيث انحسر نفوذ «القاعدة» ونفوذ الذين كانوا ومازالوا يعملون باسم القاعدة من أغلبية المناطق التي وصلت إليها ظاهرة الصحوة.

إنه لا يجوز لزعيم طائفي ولا لتنظيم طائفي الاعتراض على طائفية «السنّة العرب»، وإنه لا يحق لذلك المسؤول الذي أطلق تحذيرات ضد هذه الظاهرة أن يقول إنه لن يسمح بظهور قوة ثالثة في العراق، بينما القوة الثالثة الحقيقية الموازية للقوات الأميركية ولقوات الدولة العراقية التي ثبت أنها في معظمها ملحقة بهذه القوة الثالثة هي ميليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وميليشيات جيش المهدي وميليشيات «حزب الدعوة» الخفية التي أصبحت في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الوزراء الذي سبقه هي الحزب الحاكم الفعلي في العراق.

لا تنهَ عن خلق وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

فعلى هؤلاء، الذين استفزت ظاهرة «صحوة العراق» أعصابهم وأثارت ردود أفعالهم الصاخبة والمهددة والمتوعدة، أن يبدأوا بأنفسهم، وعليهم أن يحلّوا ميليشياتهم، وأن يوقفوا تغلغل هذه الميليشيات في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وذلك كي تصبح الأجهزة الأمنية العراقية أجهزة وطنية وللعراقيين كلهم، وكي يعود الجيش العراقي كما كان خلال ثمانين عاماً جيشاً وطنياً لكل المكونات الإثنية والطائفية للشعب العراقي كله.

* كاتب وسياسي أردني