Ad

من المحزن عند زيارة مواقعنا الأثرية أن نرى أن جهود البحث والتنقيب والترميم قائمة بأيد أجنبية (متطوعين وباحثين وطلاب مدارس وجامعات) وبأموال شركات عالمية يتعمد معظمها إبراز دورها في الدعم الثقافي والتربوي لتوازن الدمار والتلف البيئي الذي تسببه منتوجاتها وأعمالها.

من أهم معالم الحضارة والرقي اهتمام الأفراد والجماعات بالتاريخ والإرث الحضاري. فالدول الحضارية، قصُر عمرها أو طال، تصب اهتمامها على حفظ تراثها وحماية (وأحيانا تلميع)، دورها في صناعة التاريخ الإنساني. فحتى الدول الحديثة نسبياً مثل الولايات المتحدة تعمل باستمرار على تثقيف أجيالها الصاعدة بتاريخها «المجيد» وعطاءاتها للإنسانية ودورها في صياغة تاريخ العالم. فنرى اهتمام تلك الدول بالمتاحف وعمليات التنقيب والترميم للمباني والمدن التاريخية لتبقى شاهداً على التاريخ الحضاري العريق.

ووطننا العربي زاخر بالتراث الحضاري وماضينا ممتلئ بالإنجازات والعطاءات لكل الحضارات الزائلة والقائمة. فنحن معبر ومركز كل حضارات العالم القديم والحديث؛ مثل الآشوريين والبابليين والإغريق والفراعنة والإمبراطوريات الرومانية والبرتغالية والبريطانية وغيرها، بالإضافة إلى الدول والإمبراطوريات الإسلامية المختلفة. ولكننا للأسف لا نعير هذا التراث أي اهتمام إلا بالكلام فقط أو في حالات الدفاع عن النفس فقط، وليس من باب الفخر أو الاعتزاز بما نملك.

فالوطن العربي يزخر بالمواقع الأثرية والتي تعود إلى قرون بعيدة، ولكننا لا نرى منها سوى أقل من %10 في أحسن الحالات. فعند زيارة المناطق التاريخية مثل الجيزة والأقصر وأسوان أو البتراء وجرش والبحر الأسود أو دمشق القديمة أو بغداد أو غيرهم من المواقع في اليمن والمغرب وتونس –على سبيل المثال لا الحصر- تكتشف أن ما نراه لا يزيد عن عُشر ما تزخر به تلك المناطق من ثروات حضارية، في حين يبقى أكثر من %90 منها تحت الأرض أو عرضة للتخريب والنهب والسلب.

أما المتاحف فحدث ولا حرج. فأغلبها متواضع جداً، رغم ثراءها التقافي، كما أنها تفتقر إلى أساسيات الصيانة والأمن وخدمة الزوار.

والمخزي أكثر أنه حتى النسبة الضئيلة من الآثار التي نتمتع بها هي في معظمها نتاج قوى وأموال أجنبية. فمن المحزن عند زيارة مواقعنا الأثرية أن نرى أن جهود البحث والتنقيب والترميم قائمة بأيد أجنبية (متطوعين وباحثين وطلاب مدارس وجامعات) وبأموال شركات عالمية مثل «شيفرون» و«شل» و«موبل»... وغيرها. وتتعمد معظم هذه الشركات إبراز دورها في الدعم الثقافي والتربوي لتوازن الدمار والتلف البيئي الذي تسببه منتوجاتها وأعمالها. كما أنها تعتبر تلك الأنشطة نوعاً من التسويق وكأداة تفاوض في المشاريع الاقتصادية خصوصاً في الدول النامية أو الضعيفة اقتصاديا، وهذه في النهاية سياسة ذكية جداً.

أما الجامعات ومراكز البحوث فهي تتبنى مشاريع التنقيب إما لأسباب أكاديمية خاصة، وإما لأسباب سياسية بحتة، وهذا هو الأخطر. فعلى سبيل المثال فالكثير من مراكز الدراسات اليهودية تعمل في وطننا العربي لتثبت حقها التاريخي في فلسطين ولتطمس أي أدلة تاريخية لصالح العرب. وذلك للأسف يجري تحت أنوف المؤسسات العربية دون وعيها للخطر. وبغض النظر عن النوايا إلا أننا في معظم الأحيان، بسبب التخلف القانوني أو الفساد أو كليهما، نفقد حقوق الملكية وينتهي المطاف بآثارنا في متاحف ومعارض ومنازل الغير.

ونسبة ضئيلة من عمليات التنقيب والترميم تُموّل من قبل برامج الأمم المتحدة. ولا تجد أي مؤشر لأموال عربية خاصة أو حكومية لتمويل أعمال البحث والحماية لهذا التراث الهائل والحيوي. وفي الوقت نفسه، نسمع عن تبرعات عربية سخية لفتح أو صيانة حدائق حيوان أو محميات أو لترميم كنائس أو معابد في دول أوروبية متطورة، ليست بحاجة فعلية إلى تلك الأموال. فأين المنطق في هذا؟!