Ad

قوانا السياسية اليوم قد أضحت تعاني في الغالب ابتعاداً كبيراً عن النبض الشعبي وصارت تسير وفق أجنداتها الخاصة، إن لم يكن أجندات قياداتها، وتورطت في شبكة معقدة من العلاقات والمصالح مع الحكومة.

كتبت منذ عام تماما (23 يوليو 2006م)، مقالاً حول تعديل الدوائر وقلت فيه: إنه لم يكن لهذا الأمر أن يتم لولا تشكل جبهة شعبية حيّة أدت بدورها إلى تشكل كتلة برلمانية صلبة وقفت في وجه الحكومة، لكنني تنبأت يومها بأن هذه الجبهة الشعبية والكتلة البرلمانية الناتجة، وبعد تحقق ما أرادتا، قد وصلتا إلى نهايتهما، لأن سبب نشوئهما كان قد انحصر في هذا الهدف الوحيد، وبعده صارتا مجردتين من عنصر بقائهما متلاحمتين.

يومها قلت إن قوى الفساد لابد وأن تكون قد أدركت حقيقة أن الإرادة الشعبية تستطيع صهر الكتل البرلمانية المختلفة والنواب غير المتقاربين فكرياً في بوتقة واحدة، وبالفعل فمنذ ذلك الوقت شاهدنا كيف شنّت إرادة الفساد وبشكل كثيف حملة إعلامية مستعرة لإبراز نقاط الخلاف والاختلاف بين الكتل السياسية، ولنبش الخلافات الطائفية والفئوية في المجتمع.

وكذلك دقت أسافين كثيرة في محاولات تقارب القوى السياسية خشية منها أن تتشكل جبهة معارضة موحدة، كان آخرها من خلال التشكيل الحكومي الأخير حين استخدمت لعبة الموازنات السياسية عبر إدخال ممثلين عن هذه القوى لإحراجها وتقليم أظافر بعضها وكسر شوكة الآخر!

قوانا السياسية اليوم قد أضحت تعاني في الغالب ابتعاداً كبيراً عن النبض الشعبي وصارت تسير وفق أجنداتها الخاصة، إن لم يكن أجندات قياداتها، وتورطت في شبكة معقدة من العلاقات والمصالح مع الحكومة، جاء بعضها بنية الإصلاح من الداخل ربما، وجاء بعضها الأكبر مقصوداً ومرسوماً لأجل تعزيز مواقعها على حساب القوى المنافسة، مما جعلها جميعاً، وكنتيجة حتمية، بعيدة كل البعد عن موقع القوة الحقيقية في مواجهة الحكومة وفسادها.

لكن قاصمة الظهر هي أن هذه القوى السياسية قد ساهمت بشكل غير مباشر في تدهور واقعنا السياسي والتنموي حين لم تتصدَّ لاختطاف الديموقراطية الكويتية والاعتداء عليها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وضيعت اغتنام الفرصة التاريخية التي سنحت لها مع انتصار الإرادة الشعبية في ملحمة «نبيها خمس» لتعيد للديموقراطية مكانتها وقيمتها فتصعد بها إلى مستويات متقدمة من خلال الاستمرار بالمطالبة بالإصلاحات الشعبية الكثيرة الأخرى، لينتهي انتصار «نبيها خمس» وكأنه لم يكن!

ما أريد الوصول إليه من العودة بالذاكرة إلى هذا الموضوع غير الجديد، هو الوصول إلى سؤال: هل مازال من الصحيح ترك مهمة إدارة حاضر الكويت، ورسم مستقبلها السياسي بيد القوى الموجودة حالياً، وحالتها هي ما نرى؟! وأن يُترك الأمر بيدها بعيداً عن الإرادة الشعبية؟ أم حان لهذه الإرادة أن يكون لها كلمتها ودورها في تشكيل حراك هذه القوى، كما فعلت في «نبيها خمس»، أو ربما الإتيان بقوى شعبية فاعلة جديدة؟! سؤال إجابته عندك!