بعد أن أوضح الدكتور فضل في الحلقة السابقة شرط العلم الشرعي كضابط للجهاد ينتقل اليوم إلى شرط أكثر خطورة هو القدرة، لينتهي بعد شرح أسانيده الشرعية إلى أن الجهاد ليس واجباً على الجماعات الإسلامية لأنها إما عاجزة أو مستضعفة.

Ad

ويسخر المؤلف من محاولة الجهاديين تغيير الواقع دون امتلاك أدوات تحقيق هذا الهدف، فيشير إلى أن «مغروراً» -دون أن يسميه- صار في بضع سنين مفتياً لإخوانه وخبيراً عسكرياً يقودهم من مهلكة إلى مهلكة.

ويصل الدكتور فضل إلى أهم نتيجة كانت «القاعدة» تتوقعها وتخشاها في الوقت نفسه، وهي أنه لا يجوز الصدام مع السلطات الحاكمة في البلدان الإسلامية من أجل تطبيق الشريعة وأنه لا يجوز تغيير المنكرات باليد إلا لذي سلطان مثل الأب في بيته.

ولا يكتفي بهذه الفتوى على أهميتها لكنه يضرب المتشددين في مقتل حين يؤكد رفضه «فتوى الاستحلال» التي استخدمها تنظيم «الجهاد» في سرقة بعض متاجر الذهب في مصر ثم استندت إلىها «القاعدة» في العراق حتى وصل حجم الأموال التي تم الاستيلاء عليها حسب بعض الإحصاءات إلى 1.5 مليار دولار.

ويشدد المؤلف على أن الاستيلاء على الأموال بزعم استخدامها في تمويل الجهاد هو حرام شرعا وأن العمليات الممولة بهذه الأموال باطلة.

وفي ما يلي نص الحلقة الثالثة:

2) وأما القدرة (أي الاستطاعة) فهي مناط التكليف بواجبات الشريعة بعد العقل والعلم، فالعاقل العالم بالحكم الشرعي لا يجب عليه إلا إذا كان مستطيعا قادرا عليه كقوله تعالى «...ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...» (آل عمران:97)، فليس كل عالم بفريضة الحج يجب عليه أداؤه إلا المستطيع. وكذلك بقية واجبات الدين ومنها الجهاد، ومن الأدلة العامة في ذلك قوله تعالى «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها...» (البقرة:286)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، فإن لم يستطع المسلم سقط عنه الواجب، ومنه قاعدة «لا واجب مع العجز» ذكرها ابن القيم في «أعلام الموقعين ج2».

القدرة في الجهاد لا تنحصر في ذات المسلم كا«البدنية»

وأوضح ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بقوله «وإذا تبين هذا فمن ترك بعض الإيمان الواجب لعجزه عنه أو لعدم تمكنه من العلم مثل ألا تبلغه الرسالة، أو لعدم تمكنه من العمل، لم يكن مأمورا بما يعجز عنه، ولم يكن ذلك من الإيمان والدين الواجب في حقه، وإن كان من الدين والإيمان الواجب في الأصل بمنزلة صلاة المريض والخائف والمستحاضة وسائر أهل الأعذار الذين يعجزون عن إتمام الصلاة، فإن صـلاتهم صــحيحة بحسب ما قدروا عليه وبه أمروا إذ ذاك» من «مجموع الفتاوى/ج12». وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون» متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها، فهناك فرق بين الوجوب الشرعي المطلق والوجوب على المعين، فالوجوب المطلق هو كون الشيء واجبًا بالشرع أوجبه الله في نصوص الشريعة (الكتاب والسنة)، أما الوجوب على المعين فهو وجوب هذا الشيء على فلان أو فلان من الناس وهذا يشترط له العلم به والقدرة على القيام به (الاستطاعة)، وهذا يختلف من شخص لآخر، وهذا الفرق يسري على كل واجبات الدين.

وفي مقام الجهاد وهو موضوع هذه الوثيقة، فهو كغيره من أمور الدين القدرة عليه من شروط وجوبه، إلا أن القدرة في الجهاد لا تنحصر في ذات المسلم كالقدرة البدنية والمالية وإنما تتعداه إلى واقع الظروف المحيطة به من الموافقين والمخالفين، ولهذا فقد أثنى الله سبحانه على المجاهدين في سبيله، كما أثنى على أصحاب الكهف لما اعتزلوا قومهم، وكذلك أثنى على مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه، وبالرغم من أن هؤلاء الثلاثة قد واجهوا نفس الواقع (وهو حشد من المخالفين في الدين) فإن ردود أفعالهم التي واجهوا بها هذا الواقع قد اختلفت: فهذا جاهد وهذا اعتزل وهذا تخفى بدينه، ومع ذلك فالكل محمود، لأن كلاً منهم قد عمل بما وجب عليه شرعًا في وقته ومكانه وفي حدود استطاعته، وهكذا يجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه كي يختار الواجب الشرعي المناسب لواقعه وقدرته.

رسالة الاسلام الخاتمة اشتملت على كل الخيارات الشرعية

وقد اشتملت الرسالة الخاتمة رسالة الإسلام على كل الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو المخالفين في الدين، وقام بمعظمها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في عصر النبوة، وعصر الخلافة الراشدة: من التخفي وكتمان الإيمان، إلى الاعتزال والهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، إلى العفو والصفح والإعراض عن المشركين، إلى احتمال أذى المشركين بالقول والفعل والصبر على ذلك، إلى جهاد الكفار من المشركين والمرتدين وأهل الكتاب بالنفس والمال واللسان، إلى عقد الصلح والمعاهدات، وهذا كله ثابت بالكتاب والسنة، وقد تدرج الله سبحانه بهم في التشريع بحسب التدرج في قدرتهم من غاية الاستضعاف إلى غاية التمكن، كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» ولا نسخ في شيء من هذه الخيارات بل الكل مشروع بحسب الاستطاعة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه «الصارم المسلول» ما حاصله «فمن كان متمكنًا في أرض أو وقت عمل بآيات قتال المشركين وأئمة الكفر، ومن كان مستضعفًا عمل بآيات العفو والصفح والإعراض عن المشركين» ولابن القيم رحمه الله كلام مثله في كتابه «أحكام أهل الذمة».

فالذي يجب على المتمكن لا يجب على المستضعف، وقد ذكر الله التمكين في قوله تعالى «... وليمكنن لهم دينهم...» (النور:55)، وفي قوله تعالى «الذين إن مكناهم في الأرض...» (الحج:41)، والتمكين هو أن تكون للمسلمين دار لهم الكلمة العليا فيها ويتمكنون من حمايتها والاحتفاظ بها كما كانوا في المدينة بعد الهجرة، وكل من لم تكن له منعة تحميه فهو مستضعف لا يجب عليه تغيير المنكر باليد (إلا لدفع الصائل جوازًا لا وجوبًا، كما رجحه أحمد بن حنبل رحمه الله لأحاديث كف اليد في الفتن كحديث «فكن كخير ابني آدم» ونحوه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله بمكة لا قبل الهجرة ولا بعدها (في عمرة القضاء عام 7هـ، طاف والأصنام حول الكعبة) حتى فتح مكة عام 8هـ، فأزال الأصنام من حول الكعبة بعد التمكين ومن هنا كانت درجات تغيير المنكر معلقة على الاستطاعة في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» الحديث رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

الخيارات أمام المستضعفين

وكذلك المستضعف والعاجز لا يجب عليهما الجهاد، ولم يفرضه الله على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة، وإنما فرضه بعد ما تهيأت لهم أسباب الجهاد بوجود دار الهجرة والنصرة في المدينة، وهذا الحكم غير منسوخ وإنما هو من الخيارات أمام المستضعفين، ودليل بقاء هذا الحكم (وهو سقوط وجوب الجهاد عن المستضعف والعاجز) أنه وبعد تشريع الجهاد بعد الهجرة لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم من بقي بمكة من المستضعفين عاجزًا عن الهجرة ولم يوجبه الله عليهم بل عذرهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله لهم في قنوته... وهذا الحكم باق إلى آخر الزمان لأن الله سبحانه سوف ينهى المسيح عليه السلام بعد نزوله من السماء عن قتال يأجوج ومأجوج بسبب العجز عن القدرة، بالرغم من أن المسيح سيكون معه في ذلك الوقت خيرة المؤمنين في الدنيا وقد انتصروا على الدجال من قبل، ورد هذا في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضى الله عنه مرفوعًا، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم «فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة» الحديث، و«لا يدان» لا طاقة، و«النغف» دود، و«فرسى» قتلى.

وبالنظر إلى الواقع فإن أحوال الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين أحوالها تتراوح بين العجز والاستضعاف، والسوابق والتجارب المريرة التي خاضتها هذه الجماعات خير شاهد على ذلك، ومن الغرور أن يرى الإنسان في نفسه ما ليس فيها فيكون «كلابس ثوبي زور» ومن الغرور أن يلتزم المسلم بدينه اليوم ويصير في بضع سنين مفتيًا لإخوانه وخبيرًا عسكريًا يقودهم من مهلكة إلى مهلكة.

وبناء على ما سبق في هذا البند نرى عدم جواز تغيير المنكرات باليد إلا لذي سلطان في سلطانه كالأب في أهل بيته أو لإنقاذ مسلم من مهلكة لا تتدارك، كما نرى عدم جواز الصدام مع السلطات الحاكمة في بلدان المسلمين من أجل تطبيق الشريعة باسم الجهاد. فالتغيير باليد والصدام كلاهما ليسا من الخيارات الشرعية الميسورة فلا تجب، وإنما تجب الدعوة بالحسنى، فإن عجز عنها المسلم ففي الصبر خيار وأجر، وفي حديث النهي عن قتال يأجوج ومأجوج دليل على أن سقوط واجب الجهاد عند العجز حكم باق إلى آخر الزمان حتى لا يتأثم مسلم من ترك الجهاد عند العجز، أو يقول إن هذا حكم منسوخ كان خاصًا بالعهد المكي، بل هو خيار باق إلى آخر الزمان كما ثبت الدليل بذلك، وليس أحد الآن خيرًا من عيسى بن مريم عليه السلام ومن معه وقد اختار الله لهم كف اليد عن الجهاد عند العجز وعدم الجدوى. ولا يجوز النظر في دليل واحد وترك ما يقيده في موضوعه بل يجب الجمع بين الأدلة ووضع كل منها في موضعه الصحيح، وبهذا تأتلف نصوص الشريعة، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه «منهاج السنة النبوية» قاعدة جامعة قال فيها «لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إلىها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم»أ.هـ.

الجهاد لا يجوز على فاقد النفقة

ثالثًا: فاقد النفقة لا يجب عليه الجهاد وإن كان فرض عين

وجود النفقة اللازمة للجهاد (إذا وجب) شرط من شروط وجوبه، وداخلة في القدرة والاستطاعة المذكورة في البند السابق... فمن فقد النفقة فهو غير مستطيع وبالتالي يسقط عنه وجوب الجهاد لعدم استكمال القدرة على القيام به.

ودليل ذلك أن الجهاد كان فرض عين في غزوة تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر الصحابة رضي الله عنهم للخـروج في هـذه الغـزوة ولـم يرخـص لأحد في التخلف عنها، وفي هذا نزل قوله تعالى «انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله...» (التوبة:41)، فاستنفر الله بذلك الجميع، ومع ذلك فقد عذر الله سبحانه أصنافًا في التخلف ومنهم فاقد النفقة وأسقط عنهم الحرج والإثم بما يعني سقوط واجب الجهاد عنهم رغم أنه كان فرض عين حينئذ فقال تعالى «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون» (التوبة:91،92)، ولم يعذرهم الله فحسب بل وكتب لهم ثواب المشاركة في هذه الغزوة بمجرد صدق نيتهم على الجهاد رغم عجزهم عنه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لأصحابه في غزوة تبوك «إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر» بالصحيحين عن جابر وأنس رضي الله عنهما. وهذا من كرم الله سبحانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَن هَمَّ بحسنة فلم يفعلها كتبها الله له حسنة واحدة» متفق عليه.

والنفقة اللازمة للجهاد ليست مجرد ما يحتاجه المجاهد لنفسه وجهاده بل ويدخل فيها نفقة أسرته ومن يعولهم طول غيابه، وفي الحديث «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» حديث صحيح رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما... فمن فقد هذا أو ذاك أو كليهما لم يجب عليه الجهاد وإن كان فرض عين، كأصحاب الأعذار في غزوة تبوك وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتوكلين يعزل لأهله نفقة السنة من فيء بني النضير (متفق عليه).

ومما يؤسف له أن نرى بعض هؤلاء (أي من لا يجب عليه الجهاد لفقدانه النفقة) يوجب على نفسه ما أسقط الله وجوبه عنه، ثم يسلك للقيام بذلك مسالك محرمة لتحصيل الأموال بحجة التجهز للجهاد... فيخطف الرهائن الأبرياء لطلب الفدية، أو يسطو على أموال المعصومين وقد يقتل في السطو من لا يجوز قتله، والاعتداء على أموال المعصومين ودمائهم من كبائر الذنوب، فيكون من قام بذلك قد ارتكب ما لا يحل له (من العدوان على أموال المعصومين ودمائهم) ليؤدي ما لا يجب عليه شرعًا (من الجهاد الذي لا يجب عليه لفقدان النفقة أو لغير ذلك من الأعذار) فأي فقه هذا؟ بل أي عقل هذا؟ وهل هذا إلا من عواقب رئاسة الجهال واستفتائهم في أمور الجهاد؟ وأصبحنا في هذا الزمان نسمع عن القيام بعمليات من أجل تمويل الجهاد، وعمليات من أجل الدعاية وجمع التبرعات للجهاد. والجهاد يسقط وجوبه عند عدم المال كما تقرر. وقد سبق في البند الأول أن الإسلام هو أن نعبد الله كما يريد لا كما نريد، وأنه ليس في الإسلام أن الغاية تبرر الوسيلة، فليحذر كل مسلم من هذه المهالك، ونحن لا نرضى بهذه المسالك وننهى جميع المسلمين عنها فلا تجوز أعمال السطو والخطف الحرام ونحوها من المحرمات بحجة تمويل الجهاد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. ولا اعتبار لحسن النية في ذلك، فقد قال ابن قدامة رحمه الله في «مختصر منهاج القاصدين»: «اتفقوا على عدم اعتبار النية والقصد في المعاصي»، وقال أيضًا «المعاصي لا تتغير عن موضعها بالنية مثل من بنى مسجدًا بمال حرام يقصد بذلك الخير، فإن النية لا تؤثر فيه، فإن قصد الخير بالشر شر آخر، فإن الخيرات إنما تعرف كونها خيرات بالشرع، فكيف يمكن أن يكون الشر خيرًا... هيهات» أ.هـ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه، فإن النية إنما تؤثر في الطاعات والمباحات لا المعاصي التي لا تنقلب طاعة بالنية فلا يجوز فعل ما لا يحل لأداء ما لا يجب.

«المبني على الفاسد فاسد»

وبهذا تعلم أن من استولى على مال حرام ليؤدي طاعة، أن استيلاءه حرام وأن طاعته فاسـدة غـير مقبولة عند الله لقوله تعالى «...إنما يتقبل الله من المتقين» (المائدة:27)، وهذا لم يتق الله لا أولاً ولا ثانيًا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية «المبني على الفاسد فاسد» ذكرها ابن نجيم الحنفي في «الأشباه والنظائر»، ولا يحل لمسلم أن يرتكب ما حرم الله عليه ليؤدي ما لم يوجبه الله عليه، وله ثواب الجهاد إذا صدق النية وعجز عن العمل للحديث السابق «إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر». والله سبحانه «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور» (غافر:19)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات» رواه البخاري، والموبقات أي المهلكات.