Ad

تبين المؤشرات جميعها أن الإعلام السياسي موجه، ورغم تأثيره الآني وإحكام سيطرته على الشعور العام، فإنه يبقى مؤشراً مصطنعاً، ويبقى الحس الموضوعي والضمير الحي سيد الموقف عند الأغلبية العظمى من المواطنين الذين يصلون إلى قناعاتهم الخاصة بملء إرادتهم.

ثمة مفارقات عجيبة تسود المشهد الكويتي العام، تصل إلى حد اللامعقول في التحليل السياسي، ففي موازاة ما يتمتع به الكويتيون من مستوى النضج السياسي والوعي الشعبي، يلاحظ هيمنة مؤسستي الإعلام بشقيه السياسي المتمثل بالصحافة من جهة، والاجتماعي الذي يعكس نبض الديوانيات على الواقع السياسي تبعاً لمدلولات نخبوية وموجهة في كثير من الأحيان ساعدها في ذلك الحس السياسي المرهف لدى أغلبية المواطنين من جهة أخرى. ويتلخص الانطباع العام في الأجواء السياسية السائدة في البلد، وكما يصوره هذا الإعلام منذ مدة ليست بالقصيرة، بعدم الرضا السياسي، وخاصة تجاه مجلس الأمة، وإلى حد أقل تجاه الديموقراطية ككل.

ولكن هذه الحالة لاتعكس بالضرورة النبض الحقيقي للشارع الكويتي، بل قد تناقضه تماماً، ويمكن قياس ذلك من خلال مؤشرات أكثر عملية وواقعية من الشعور العام الذي يحاول الإعلام غير الرسمي أن يفرضه وأن يقترب به إلى المراكز العليا لاتخاذ القرار أحياناً.

فعلى سبيل المثال، الخطاب الإعلامي الموجه خلق انطباعاً شبه كامل بأن المجلس الحالي، وكما كانت الحال في المجالس السابقة على مدى أربع دورات برلمانية، «كله استجوابات» في تعميم مدروس ومغروس حتى النخاع في حالة اللاشعور الكويتي.

ولعل الاستجواب الحالي المقدم لوزير النفط والتلويح باستجوابات قادمة، ساهم في خلق مفهوم الأزمة السياسية، وعدم التعاون بين السلطتين، وغياب الدور التشريعي للمجلس، ولاشك أن مثل هذا الانطباع يفتتح به صباحه عند قراءه مانشيتات الصحف، وينهي به مساءه في الدواوين.

وتغيير هذا الانطباع وإن تطلب وقتاً وجهداً لشرحه بشكل فردي وخاصة من قبل النواب كون كل مواطن يشعر بضرورة تفسير الأمور له شخصياً ليس بالأمر الصعب، فبمجرد أن يتضح للمواطن أن المجلس قد أنجز أكثر من 20 تشريعاً خلال أسبوعين وبشكل متطابق في الرؤى بين النواب والحكومة، وأن ذلك يمثل إحدى صور التعاون بين السلطتين يعود إلى حالة التوازن الواقعي.

والمؤشر الإعلامي الآخر بأن الشارع قد ملّ التصعيد السياسي، نجده يتهاوى في الحضور الجماهيري للندوات التي يعتبرها الإعلام صاخبة ومثيرة ويرفضها الشارع الكويتي.

وثمة مؤشر إضافي يعكس المدلول الإعلامي بأن الشعب مّل الاستجوابات، وعلى النقيض من ذلك نجد أن التفسير الوحيد لبورصة تأييد الاستجوابات، كما يسوقه الإعلام نفسه، هو ضغط الشارع الذي يفترض أن يكون ملّ الاستجوابات ورفض التأزيم السياسي دافعاً لتراجع النواب عن مثل هذه الاستجوابات المثيرة!!

أما المؤشر الأخير والأكثر طرافة فنجده في تأييد الشعب لحل مجلس الأمة واستبعاد نواب التأزيم والصوت العالي ومستخدمي أدوات المساءلة السياسية، وإذا بالواقع يعكس نسبة المشاركة الكثيفة في الانتخابات التي تصل إلى 90 %، خاصة بعد حالات حل المجلس، بل تكون دائماً فرص النواب المشاكسين إياهم هي الأرجح وبفارق كبير عن النواب المهادنين والمتهادنين!!

لعل جميع هذه المؤشرات تبين أن الإعلام السياسي موجه، ورغم تأثيره الآني وإحكام سيطرته على الشعور العام، فإنه يبقى مؤشراً مصطنعاً، ويبقى الحس الموضوعي والضمير الحي سيد الموقف عند الأغلبية العظمى من المواطنين الذين يصلون إلى قناعاتهم الخاصة بملء إرادتهم، وهذا بحد ذاته سر من أسرار تمسك الكويتيين بديموقراطيتهم.