سوادٌ في سواد!!
الأمور، إن في العراق أو في فلسطين أو في لبنان، تبدو كألغام موقوتة قابلة لمزيد من الانفجار في أي لحظة... ثم هناك مناطق أخرى «يعَسْعِسُ» جمرها تحت الرَّماد وهي لا ينقصها إلا هبّة هواء صغيرة حتى تتحول إلى نيران تأكل الأخضر واليابس... والله يستر!!
لا أحد يستطيع أن يجزم بالكيفية، التي سينتهي إليها انقسام الساحة العراقية والساحة الفلسطينية والساحة اللبنانية، فالأفق يبدو مسدوداً وبلا أي أفق والتطورات اليومية المتلاحقة تُظهر أن هذه العُقد المتشابهة لا حلَّ لها على الإطلاق لا بالأصابع ولا بالأسنان، وهذا معناه أنه إنْ لم تقع معجزة، في زمن لا معجزات فيه، فإن هذه المنطقة ستشهد انفجاراً لم تشهد مثله لا في القرن الماضي ولا في القرون التي سبقته... ولا حتى ربما منذ بدء الخليقة!! الآن وبعد أن وصل الاستحقاق الرئاسي إلى ما وصل إليه وبعد أن انتقلت العلاقات السعودية-السورية من الغضب الصامت المستتر إلى المواجهة المكشوفة فإنه غدا في حكم المؤكد أن الأمور في لبنان باتت ذاهبة إلى التشظي والانقسام، وانه سيكون هناك رئيسان وحكومتان، وانه ستكون هناك دويلات كثيرة شمالية وجنوبية وغربية وشرقية. لا يمكن أن يسمح الحلف السوري-الإيراني المستند إلى قوة «حزب الله»، والذي بات يلعب أوراقه بطريقة مكشوفة، لهذه الحكومة، أي حكومة فؤاد السنيورة وحلفها حلف الرابع عشر من مارس (آذار)، أن تجري انتخابات رئاسية تكون نتائجها لمصلحتها حتى لو اقتضى الأمر هدم البرلمان على رؤوس أصحابه أو تغييب «العدد المطلوب» من أعضائه بطريقة من الطرق.إن هذا يعني أن استئناف الحرب الأهلية سيكون احتمالاً منتظراً، إلا إذا تدخلت العناية الإلهية لتجنيب لبنان هذه المصيبة، وان هذا يعني أن الوضع اللبناني سيكون مفتوحاً على شتّى الاحتمالات، حتى بما في ذلك عودة قوات الردع السورية إلى مواقعها التي كانت ترابط فيها قبل القرار الدولي رقم 1559، وحتى بما في ذلك اندلاع حرب جديدة إن هي اندلعت فإن حرب صيف السنة الماضية ستكون أمامها بمنزلة مزحة صغيرة. والآن فإن السؤال الملح بالنسبة إلى المأزق الفلسطيني المتفاقم هو: هل يستطيع محمـود عباس (أبو مازن) أن يذهب إلى مؤتمر الخريف المقبل إذا بقيت حركة حماس تسيطر على قطاع غزة وإذا أصبحت بـ«المال الحلال» وبغيره قادرة على «لخبطة» المعادلة الهشة القائمة حالياً في الضفة الغربية؟! هل سيستطيع (أبو مازن)، هذا إن عُقد مؤتمر الخريف المقبل وتمكن من حضوره بعد إزالة أولاً العقبات الإسرائيلية التي تعترضه وثانياً وبعد إزالة عقبة «حماس» ومن يقف وراءها في المجال الإقليمي المعروف، ان يوقع مع الإسرائيليين تسوية نهائية للقضية الفلسطينية مادام أن الوضع الفلسطيني هو هذا الوضع المربك؟!ثم هل هناك أفق فعلي لوقف التدهور العراقي المتسارع سواء انسحب البريطانيون من البصرة أو لم ينسحبوا، وسواء وضع الأميركيون جدولاً زمنياً لسحب قواتهم أو لم يضعوا... ثم سواء صمدت حكومة نوري المالكي أو لم تصمد؟! كل شيء سواد في سواد... فالأمور، إن في العراق أو في فلسطين أو في لبنان، تبدو كألغام موقوتة قابلة لمزيد من الانفجار في أي لحظة... ثم هناك مناطق أخرى «يعَسْعِسُ» جمرها تحت الرَّماد وهي لا ينقصها إلا هبة هواء صغيرة حتى تتحول إلى نيران تأكل الأخضر واليابس... والله يستر!! هناك شبه إجماع بأن هذه المنطقة كلها، من الشام لـ«تطوان»، تقف الآن على «كف عفريت» ولعل ما زاد الأمور قتامة وسوداوية أن هناك دولاً تواصل الادعاء بأنها «قلب العروبة النابض»، بينما هي تواصل نثر جمر الفوضى والفتنة في كل اتجاه، وبينما هي تعتز بتحالفها مع من يحلمون باستعادة أمجاد امبراطورياتهم القديمة، ولذلك فإنهم غدوا يحشرون أنوفهم في كل شيء في الوطن العربي ومن أقصاه إلى أقصاه. * كاتب وسياسي أردني