الإرهاب الفكري
الإرهاب الفكري هو سلاح يمنع فكر الآخرين، ويفرض فكر الاتجاه الواحد.لقد درجت الأنظمة والأحزاب الشمولية اللاديموقراطية في العالم العربي على فرض رأيها ورؤيتها الأيديولوجية عندما تكون سلطة في المجتمع. وقد كان ولايزال العالم العربي ورشة ومختبراً لمثل تلك التوجهات الأحادية التي تضطهد فكر الآخرين، وفي المقابل ظل النضال مستمراً لوقف ذلك النوع من الإرهاب، وهو أخطر أنواع الإرهاب حتى يسود الفكر الحر بثنائية الفكر والفكر الآخر، وبضدها تعرف الأشياء.
أما إذا أردنا أن نشخص قوى الإرهاب الفكري فإنها بعض السلطات وبعض الأحزاب، وهي مع الأسف موجودة ولها حضورها وفاعلة في مختلف الاتجاهات، بيد أن عصرنا الذي نعيش يشهد إرهاباً فكرياً دينياً، ولا أدل على ذلك على سبيل المثال ظهور المفتين وتوزيع الفتاوى صباح مساء من أناس إما ثقافتهم الدينية متحجرة ومغلقة، وإما ضحلة وتجربتهم في الحياة محدودة. وهناك فتاوى وفتاوى مضادة من نفس التوجه الديني، وفتاوى حسب مقتضيات الحال السياسي أو الاجتماعي أو الأيديولوجي الحزبي من دون مراعاة لشروط الإفتاء في المفتي، وهذه نحيلها إلى أصحاب الاختصاص، وعلينا أن ندرك أن الشعوب في تاريخها تمر بفترات يتراجع فيها الفكر، ويسود فكر التطرف والغلو الذي يصاب بهوس السيطرة والانتصار، فيتجه أصحابه إلى التعسف باضطهاد أي فكر مختلف، الأمر المؤكد أن ذلك سيكون ظرفياً وليس حتمياً ودائماً. ولنقترب أكثر من الواقع فهناك بعض المؤسسات الحزبية أو واجهاتها العلنية قد جعلت شعاراتها إصلاحية، وهي حزبية لا إصلاحية تصدر بيانات حسب مقتضيات الحال لتطعن فيمن يختلفون مع توجهها الفكري والسياسي، مستثمرة ومستخدمة نفوذها وتحالفاتها كقوة ضاغطة لترهب من تختلف معهم في الرأي، وقد حدث في الكويت قبل فترة أن أصدرت جمعية الإصلاح بياناً مليئاً بالقذف والهجوم على طلبتنا بنين وبنات ضد مشروع قانون إلغاء منع الاختلاط، وقد أحدث البيان ردود فعل الطلبة والخريجين من جامعة الكويت وأولياء أمورهم، وقد حدث في نفس الوقت أن ظهرت أزمة أخرى في تأبين مغنية من قبل ما يسمى بـ«حزب الله» الكويتي لتغطي الأزمة الثانية على الأولى بالجديد من الأحداث، حيث أثير موضوع زيادة الرواتب، وكنا ولانزال نتمنى ألا تعالج قضايانا بالفعل ورد الفعل، فقد شهدنا تجمعاً للتحالف الوطني الديموقراطي في جمعية الخريجين قلما نشهد مثيلاً له من الطلبة وأولياء الأمور، يرفض بيان جمعية الإصلاح لكن هذه عادتنا نحتج على مثل تلك الأمور الخطيرة ثم نذهب إلى منازلنا وأعمالنا وكأن شيئاً لم يكن، وفي انتظار أزمة أو مشكلة أخرى من دون أن تستثمر مثل تلك الانتفاضات لتحقق حركة التنوير إنجازاً على طريق التقدم.الأمر لا يقف عند حد تلك البيانات والفتاوى بل الإرهاب الفكري يصل إلى مجالات أخرى مثل إشكالية منع الكتب في دولنا والكتب الممنوعة في الأغلب هي الكتب الجيدة والمفيدة، ألا يعني ذلك حجراً على الفكر وإطلاقاً لفكر التخلف؟إننا نعيش في عصر اختلطت فيه الأوراق لكن الوعي لدى شباب اليوم يمنحنا الأمل في تعزيز مكانة الدولة المدنية الديموقراطية، ومواجهة كل أنواع الإرهاب الفكري أياً كان مصدره.