دخلت الفنانة الكبيرة سعاد عبدالله الفن منذ الصغّر، مشاركة في التمثيل ضمن النشاط المدرسي. إعتلت خشبة المسرح في «حظها يكسر الصخر» لحسن حظها، بدأت ممثلة مع النجوم الكبار وأطلّت على المشاهدين عبر شاشة التلفزيون في «ديوانية التلفزيون».محطات فنية كثيرة في مشوار فنانة بحجم الفنانة القديرة سعاد عبدالله. حاولت استدعاء ذاكرتها لتروي أجمل أيام الفن الجميل، مستهلّة حديثها عن الزمن القديم. كيف اختلف رمضان اليوم عن رمضان الماضي؟
في الماضي كانت للاشياء قيمة، حتى الطعام كان مختلفا وشهيّا. اذكر أننا أمضينا ستة شهور بلا كهرباء في البيوت التي سلمتنا إياها الحكومة، بسبب عدم توافرها. رغم ذلك استمتعنا في جلساتنا المضمخة بنكهة أصيلة خلال شهر رمضان منتظرين اطلاق المدفع ثم سماع الآذان. كانت مائدة رمضان بسيطة وجلسات الليل جميلة. مع بداية التلفزيون عام 1963 كنت أجلس مع أولاد الجيران على بساط في حوش الشملان ونشاهد التلفزيون. كانت مشاهدة تلفزيون الكويت، حتى الـ «كالار بار» أي الخطوط والوشوشة التي تسبق بث الارسال، ذات طعم طيب ومتعة حقيقيّة. كانت هناك الأغاني الرمضانية والعادات الرمضانية فيتذكر الجار جاره بـ«نغصه» يبعث بها إليه وإن كانت خبزاً، قديماً كان الكويتيون يخبزون في بيوتهم، للأسف، اندثرت هذه العادة.
هل عايشت « القرقيعان»؟
بلى، «قرقعت» وقمت بخياطة الكيس بنفسي، ليس مثل اليوم «كشخه». إستعملت قطعة قماش قديمة، وضعت لها الخيوط وكبّرت الكيس لتكون حصيلتي أكثر من القرقيعان. كان القرقيعان قديماً عبارة عن السبال والنقل والبرميت والنخي والملبس حلو. كنا نمر على المنازل في الأحياء من دون خوف وكانت الروح الجماعية الرائعة تتجسد في فرحة الأولاد الذين يقرقعون «كاسيروه دلة، اربع آنات دلة». إنها مرحلة يتذكرها من عاشها قديماً و«يتنطع» الأيام الجميلة.
ماذا تمثل لك مرحلة مسرحية «حظها يكسر الصخر»؟
أعتبر نفسي محظوظة إذ بدأت مع نجوم كبار «يخرعون» فنياً أمثال محمد النشمي أحد أبرز رواد المسرح وزايد الرقم ومحمد القصار وعبدالله المنيس والراحلة عايشة ابراهيم ونجيبة زوجة المرحوم عبد العزيز المنصور. كانت المسرحية باكورة أعمال فرقة «المسرح الكويتي» في أواخر 1963. كنا في سن صغيرة أنا وعايشة ونجيبة، تتراوح بين 13 و15 سنة. كانت عايشة تكبرني بثلاث سنوات ونجيبة أكثر جمالاً، طويلة وبيضاء البشرة، لذا أسند إلي دور الأم وإلى نجيبة دور ابنتي. لم يكن النصّ مكتوباً مئة في المئة، اعتقد أن «المسرح الكويتي» طبعها في كتيب. ثمة إضافات كثيرة إذ كان يوّد كل ممثل إظهار جديده. لم تكن لدينا الجرأة لإضافة الجديد على مشاهدنا في حضرة النشمي لذا اعتمدنا هذه الطريقة في المشاهد التي لا يكون فيها وأحياناً «يناجرنا» بقوله: «أنا ماني قايلكم لحد يزيد، إنتو اقضبوا اللي موجود عندكم عساكم تمشون». كان أباً لنا وخصنا بغرفة صغيرة في «المسرح الكويتي» في آخر الكواليس فيها «بشتخته» ( الآن استوديو الدسمة) في منطقة الدسمة التي كانت جديدة تضم بيوت الحكومة ومركز جمعية الفنانين. كنا نختلط مع باقي أعضاء الفرقة في أوقات الغداء أما معظم الوقت فكنا نمضيه في غرفتنا أنا وعايشة وطيبة الفرج وليلى صالح التوفيق وليلى الشاعر وليلى النعمة وصبرية زوجة الفنان محمد جابر. بعد ذلك استمررت أنا وعايشة وطيبة في «المسرح الكويتي». أما «المسرح الشعبي» فاستمرّت فيه المرحومة مريم الغضبان ومريم الصالح.
هل توقعت نجاحكم في ظل وجود ثلاثة مسارح أخرى؟
لدى «المسرح العربي» و«مسرح الخليج» و«المسرح الشعبي» أنشطة لكن للنشمي قاعدة جماهيرية وكنا بمعيته. لم تكن لدينا أي حساسيّة حيال هذا المسرح أو ذاك بدليل أنني عملت مع الكويتي واستدعيت من قبل العربي في مسرحية «اغنم زمانك» عام 1964 مع الراحلة عايشة، نحن لم نكن يوماً محتكرات. اشتغلت مع الخليج وانتسبت إليه، وعدت إلى «المسرح الكويتي» في مسرحية «رسائل قاضي اشبيلية» و«السدرة» عن مسرحية «الأشجار تموت واقفة» اخراج كرم مطاوع.
هل تخيّلت أنك ستغدين من أبرز رائدات المسرح؟
لم أخطط البتة لهذا الأمر. كنا من السذاجة والبساطة بمكان استحالة تفكيرنا بالغد. لم نكن نمتلك الاطلاع الذي نمتلكه راهناً. في زماننا لم تكن ثمة ثورة معلوماتيّة كاليوم. حين تشاهد فتيات اليوم، ممثلة فرنسيّة مثلا أو سواها مصرية، على شاشات الفضائيات يطمحن إلى أن يصبحن مثلهنّ، في حين كان محيطنا محدوداً جدّاً زمن شبابنا. شاهدنا الأفلام المصرية لكن في فترة متأخرة.
كيف ظهرت موهبتك؟
أتقنت صغيرة تقليد الأشخاص وشاركت في المدرسة في مسرحيات تاريخية مثل «أم سلمة»، بيد أنني لم أتوقع أن أكون ممثلة. إحتضنت الدولة مشاركتنا مع النشاط المدرسي من خلال وزارة التربية، ومن فرسان النشاط المدرسي ماما أنيسة المسؤولة في التربية وعلي الزفتاوي وعبد القادر نجيب شقيق المخرج المسرحي حسن عبد السلام. قرأت قبل مذكرات الأستاذ عقاب الخطيب فذهلت إذ علمت أن أسس المسرح في الأحمديّة وضعت في الأربعينات والخمسينات. سبقنا عصرنا بأشواط كبيرة.
هل كان وجودك في «المسرح الكويتي» سبب ظهورك على الشاشة في «ديوانية التلفزيون»؟
بلا شك، يجب أن نسلط الضوء عليه ولا بدّ من وجود نسخة ما من تلك الحلقات لأرشفة البرنامج. كانت فكرته آنذاك عبارة عن بيت فيه ديوانية، صاحبها محمد النشمي وربعه رواد الديوانية هم من زملائنا في «المسرح الكويتي» مثل د. صالح العجيري، ونحن عيال البيت أنا وعايشة ابراهيم وبهية الشاعر وطيبة الفرج. يستضيف صاحب الديوانية فنانا أو مبدعاً يزور الكويت ليحاوره إن كانت سيدة يدخلها على «الحريم»، بينهن الفنانة الشحرورة صباح. كان العمل متقدماً والعفوية الرائعة تسيطر عليه. فإذا كان الضيف رجلاً لا يجوز أن يدخل على الحريم. تنتقل الكاميرا إلينا، فنقدم الشاعر فلاناً مثلا الذي قيل عنه كذا وكذا. إنه حدث داخل الديوانية الرئيسية وحدث مواز عند أهل المنزل. الفكرة جميلة، ولدت عام 1963.
ثمة في مرحلة الابيض والاسود تميّز واضح، خاصة على صعيد الاوبريت الشعبية «السبت سبمبوت»، أين سُجّل؟
أرغب في أن يتحول هذا الحوار إلى برنامج تلفزيوني. لنتوقف عند كل محطة ونعلق عليها. كانت الإمكانات السابقة رائعة. كان لدينا استوديو 2 عبارة عن «شبرة» واستوديو 1 للبث والثالث للسينما ورابع للإدارة. كان سور التلفزيون الخلفي قريبا جداً من البحر، ندخل إليه من جهة جمعية المهندسين. ثمة بين تلك «الشبرات» «براحة» فيها «دورة» واستراحة وكراسي وقطعة مرتفعة قليلاً فيها «ثيل» وبعض الأشجار. استغللنا «الدورة» وأُنجز «الديكور» فصورنا العمل. كان عبد الرحمن الصالح أحد الأصوات أيضاً بدر بورسلي، والمخرج خالج أمين.
تتحدّث الأوبريت عن فترة الدراسة وكيفية ذهابنا إلى مدارسنا. حين يكون الجو رطباً يعود التلاميذ إلى البيوت وهم يرددون: «اليوم هد ليش الكوس هدونا، رحنا المدارس وعند الباب ردونا». أخذنا الثيمة الرئيسية التي قيلت قديماً: «السبت سبمبوت، والأحد عنكبوت، والأثنين بابين، والثلاثا منارة، والأربعا بشارة، والخميس نذبح ابليس، والجمعة عيدنا وعيد الرسول» وفيها مجموعة ألعاب شعبية كويتية. ما زالت المدارس حتى اليوم تقدّم هذه الأوبريت التي تعود إلى 43 سنة. تروي للأجيال الطالعة أنواع ألعابنا والحزاوي والغطاوي.
كان التصوير متعباً سابقاً. لو أخطأ أحدكم هل يعاد التصوير من البداية؟
بلى، يعاد العمل كلّه. في فترة من الفترات كنّا نصوّر الحلقة من أولها إلى آخرها، في مسلسل جمعني بمريم الغضبان وعبد الحسين عبد الرضا إخراج نورية السداني. كان عبارة عن سبع حلقات. طلعت روحنا فعلاً. شاركت في مرحلة في سلسلة «أسباب النزول» بالعربية، اخراج نزار شرابي ومساعده وقتذاك كاظم القلاف رحمهما الله، ومن كان يخطىء بالتشكيل «ينطق».
ماذا عن معهد المسرح؟
إلتحقت به متأخرة، أي بعد زواجي. كان في دفعتي الدراسية علي المفيدي ومبارك سويد وكاظم الزامل. أمّا عميد المعهد في تلك الفترة فكان سعيد خطاب الذي أمسك بزمام الوضع جيداً واشتهر بالانضباط لتمتعه بشخصية قيادية إلى جانب منصبه وكيلاً لوزارة الثقافة في مصر. في زيارته الأخيرة إلى البلاد قال كلمة عني: «دخلت المعهد وهي نجمة وفي حياتي لم تشعرني بذلك، بل بأنها طالبة». ومن الأساتذة سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي، فضلاً عن إبراهيم سكر العملاق الذي درّسنا أدب المسرح، ورشوان توفيق في مرحلة تالية. شاركت أيضاً في العديد من الأعمال الأكاديمية مع المعهد في مقره في الشامية بينها «براكسا» لتوفيق الحكيم و«الزير سالم».
الثلاثي سعاد وعايشة وعبدالحسين كان عجيباً، هل ولد من بطن اتفاق؟
كلاّ، إنها الألفة، في البروفات كان عبد الحسين يؤمّن من بيته «المطبق» و تأتينا عايشة بـ»الطرشي» اللذيذ. بلى، كنا مثل العائلة الواحدة والأهل. أثناء القراءة، يضيف الجميع من إبداعه. لم يسد بيننا أي سباق محموم على الشهرة ولم يبخل أحد على الآخر بكلمة أو جملة تضحك، سواء من قبل عبد الحسين أو عايشة أو أنا. يا للأسف، نفتقد راهناً هذه الروح في اعتقادي أن تلك الفترة تميزت ببياضها الناصح ونقائها. كنا نريد الاستمتاع بعملنا بعيداً عن حسد النجومية. زمننا الحالي «لعنة الله»، فرقنا. كان هناك سعد الفرج وعبد الحسين أمّا القاسم المشترك بينهما فالراحل النفيسي. كان عبد الأمير التركي معهم على الخط ككاتب درامي وأنا وحياة الفهد. قدمنا مجموعة من الأعمال الناجحة لفترة. كي لا ألقي اللوم كله على الزمن والوقت، اعتقد أن الأمر هو نفسه في بلدان أخرى. في مصر، مثلا، من بقي حاضراً في أذهان الناس وفي قلوبهم هم الفنانون الذين انتموا إلى ذلك الزمن الجميل أمثال ليلى مراد وأنور وجدي وفاتن حمامة وعمر الشريف... ساهمت الطفرات الظاهرة في حياتنا على الصعد كافة في تغيير كل شيء .
حتى النفوس؟
وما هو أبعد من النفوس، لو كان ثمة ما هو أعمق من النفس. نؤمن بأن النفس تصنع تلك المتغيرات.
هل تشكل علاقة «مسرح الخليج» والرائد صقر الرشود العلامة البارزة في تاريخ الحركة المسرحية الكويتية؟
لدينا أعمدة لا نستطيع تجاهلها. أناس لديهم طموحات وآمال كثيرة تربط الوحدة ما بين مشاعرهم وتلك الطموحات. هؤلاء أوصلوا الفن الكويتي إلى المستوى الدولي رغم وجود الشوائب والمآخذ. صقر الرشود أحد تلك الأعمدة، حقق مع الآخرين نقلة نوعية، تميّزه ثقافته الموسوعية غير العادية ويعتبر موجهنا. أمّا مقر «مسرح الخليج» ففي بيت عربي في النقرة. قدمنا على خشبته الأعمال الجميلة وسافرنا إلى الخارج ومثلّنا الكويت في عدد من المحافل. من الذكريات أن الرشود طلبني في عمل في وقت كنت عملت مع «المسرح الكويتي» في مسرحية «السدرة» مع حياة الفهد ومحمد المنصور بعدما أعجبني النص. قلت له: «لقد اتفقت معهم». فرد علي بعصبية: «انزين خلي العمل ييبلج المجد». حتى في مرحلة العصبية لم نبلغ مرحلة من هو هذا أو هذه وما أصله. الآن بعد هذه السنين نعيش مرحلة تعسة. نحن «عيال الديرة» وأعمدتها عيب أن نتحدث بهذه اللغة! لا استطيع أن أعلق أكثر من ذلك. قدمنا مع صقر الأعمال القديمة مثل «عنده شهادة».عرضناها أيضاً في بغداد عام 1965. حين وقع انقلاب بقيادة عبد السلام عارف عدنا إلى الكويت. لم نكن نعرف شكل الانقلابات لأننا نعيش في بلد آمن. كان الرشود يحلق في الصالون استعداداً للعرض في الليل. حين سمع الحلاق صوت القصف فـ «خرب» شوارب صقر فجاءنا «أملط» بلا شاربيه ومن سذاجتنا أنا ومحمد المنصور ومهندس الديكور البحريني يوسف قاسم طلعنا فوق سطح الفندق حتى نشاهد ما حدث والطائرات تحلق فوق رؤوسنا، فقال قاسم: «يلعن قفده»، وقتذاك أعادتنا السفارة الكويتية إلى البلاد.
كانت الرحلة الثانية إلى القاهرة من خلال مسرحية «الحاجز» أو «الملالة» عام 1966 وعرضت أيضاً في سوريا. عام 1968 توقفت عن العمل لأنني تزوجت لأعود في السبعينات. تمثلت المرحلة الثانية من تاريخ «مسرح الخليج» بالأعمال العالمية المترجمة مثل «المرة لعبة البيت» عن «بيت الدمية» لهنريك إبسن ومسرحية «الغربان». شاركت في المرحلة الثالثة التي تمثلت بمسرحيات لكتّاب عرب منها «حفلة على الخازوق» لمحفوظ عبد الرحمن عام 1975، إخراج صقر، و«عريس لبنت السلطان» لمحفوظ والرشود أيضاً عام 1978 والتي شاركنا بها في «مهرجان دمشق المسرحي السابع». قدمت أعمالا من خلال المسرح الطليعي الذي أنشأته وزارة الإعلام لفترة معينة وكانت مؤمنة به. ضم خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية وحتى القدامى من المعهد المتوسط. قدمنا بين 5 و6 مسرحيات ومثلنا الكويت في الخارج. بعدئذ اتخذ القرار بكل بساطة بإيقاف المسرح الطليعي.
شاركت في فرقة المسرح الأهلي من خلال «علي جناح التبريزي وتابعه قفه» للكاتب ألفرد فرج، إخراج الرشود عام 1975 ومثلت الكويت في «مهرجان دمشق المسرحي السادس» ونالت جائزة أفضل عرض. زخرت مرحلة الستينات بالأعمال المتميزة. من يجرؤ على تقديم «ثقوب بالثوب الأسود» لإحسان عبد القدوس؟ نحن تجرأنا وصورناه في مزرعة الشيخ سعود في منطقة حولي مع المخرج الراحل كاظم القلاف وصنعنا الديكور وصبغنا وجوهنا لأن حوادث القصة جرت في مكان ما في إفريقيا. قدمنا أيضاً سباعية تمثيلية تحت عنوان «قاتل أخيه»، شاركت فيها عايشة ابراهيم وغانم الصالح وحسين الصالح وعبد الوهاب سلطان، اخراج خالد الصديق. تناول قصّة أول رجل في الكويت (من الجنسيّة العُمانيّة) حكم عليه بالإعدام ووّقع الحكم الشيخ عبدالله السالم. أنجزنا 13 ساعة سينما من بين الأفلام، أذكر منها «سكون الليل» شاركت البطولة فيه أحمد العدساني عضو المسرح الشعبي، إخراج هاشم محمد.
بعد مرحلة النجومية والمحافظة عليها، كيف تقوّمين الوضع الدرامي في الكويت؟
إنه مواكب للوضع العام، في حالة مد وجزر. يتسم أحياناً بالإبداع وأحيانا أخرى يسوده الإرباك وبين فترة وأخرى تجد الشطحات الإبداعية. لا ننكر أننا أصبحنا أدوات مادية لدى القنوات الفضائية لذا يأتي تقويمنا ماديا أكثر منه فنياً. هم مضطرون إلى الاستعانة بك نظراً إلى قاعدتك الجماهيرية وقدرتك على جذب المعلن. دخلت المادة في المسائل كافة وأفسدتها، هي حلوة لكنها مفسدة.
علاقتك بالميكروفون الإذاعي؟
علاقة عشق، اشتاق إليه كثيراً. غبت عن الدراما الإذاعية طويلاً نحو ستّ سنوات، لكن بين فترة وأخرى لو رأى عمو علي المفيدي دوراً مناسباً لاستدعاني. أعود اليوم بعمل تاريخي يبث راهناً تحت عنوان «زهرة البرتقال وفاتح بلاد الفال» من إخراجه. اشتاق دائماً إلى الأعمال التاريخية، أقرأها وأتابعها على الشاشة. إن سألتني مثلا ماذا شاهدت في رمضان العام الفائت أقول لك «خالد بن الوليد» و«الأمين والمأمون» لأنني تواقة إلى الدراما التاريخية. سبق أن اشتغلت «ابن سينا» و«نساء في شعاع النبوة».
أطلقوا عليكم صفة عمالقة الإذاعة.
بلى، لأنهم «يخرعون» خلف الميكروفون ولديهم قدرة على تسجيل كمّ كبير من الحلقات الدرامية. كانت شركات الإنتاج قديماً تنتج مسلسلات إذاعية وبرامج تبيعها إلى الإذاعات، قبل هذا الزخم والهوس والماراثون من الإنتاج التلفزيوني.
هل اعتزل شريك حياتك المخرج المعروف فيصل الضاحي؟
بلا رجعة. قرار صائب وجريء وفي التوقيت الصحيح، إذ عاين ما حدث في وزارة الإعلام من تقويم ووجد نفسه خارج الخريطة. تغير الجيل الذي تعامل معه وحلّ مكانه جيل جديد.
حدّثينا عن عملك مع الكاتبة وداد الكواري؟
إشتغلت وداد معنا في الكويت لفترة وتربطني بها علاقة طيبة. عملت معها في مسلسلين على مستوى الاحتراف من تأليفها، «حكم البشر» و «بعد الشتات».
كيف تصنفينها مؤلفةً؟
ناضجة. للثقافة دور وهي تعي تماماً ماذا ما تبغي قوله في أعمالها الدرامية وكيف توصل رسالتها. قد يكون لديها دعم من دولتها أو من محيطها كي تصل إلى جرأة معينة بنوع من «الشياكة». أما الجرأة الوقحة فلا يتقبلها الناس.
«حكم البشر» و«شاهين»
ثمة اختلاف بين «حكم البشر» و«شاهين». جسدت في «حكم البشر» دور سيدة عربية عاشت في الخليج طوال سنوات وقيل لها يوماً «برّا». كانت لهجتها عبارة عن خليط خليجي وبعض الكلمات المصرية، بينما دوري في «شاهين» تراثي كتبه راشد الجودر وتتسم فكرته بنوع من التغريب وبالمزج ما بين الواقع والخيال. تروي القصة حكاية أم عمياء تنتظر ابنها الذي خرج في رحلة في البحر فغرقت السفينة وحين سألت عن سبب غيابه الطويل قيل لها سيعود لكنه لم يعد. اختلفت الروايات إذ قال أحد الناجين من الغرق إنه اختفى في أعماق البحر، وقال الثاني إنه ميت وأكد الثالث نجاته. تتمسك بالرواية التي تتواءم مع نفسيتها. استعنت بأفلام سينمائية فيها شخوص عمياء بينها فيلم لآل باتشينو. قدمت جهداً كبيراً في المسلسل وأحببت فكرته. أتمنى أن تخرج أصوات لتقول الحق. الموازين اليوم مقلوبة إذ تجد عملاً جيداً فيه كل مقومات النجاح إلا أنه يتعرّض للتهشيم. في ودّي أن أسمع، رغم تاريخي الفني، تقويماً صحياً من قبل أحد الصحافيين. أتابع بعض الصحف وملتزمة بها، أقرأ الصفحات كلها ما عدا الرياضية وليعذرني أخواني الرياضيون. ثمة أعمدة أصبحت جزءاً منا.
«مع الكلمة والحوار والنغم»
يحتوي «مع الكلمة والحوار والنغم» على الأغاني ومجموعة من الأوبريتات، منها واحدة مع المرحوم خالد النفيسي. لمعت فكرتها خلال اجتماع مع بدر المضف والملحن غنام الديكان. قلنا يجب إنجاز اوبريت عن الماضي. صورناها في أحد منازل شرق القديمة. كان الأطفال في «السكة» حقيقيين وهي بالألوان إذ صورت وفق الطريقة السينمائية. اللحن وضعه الديكان والكلمات لبدر بورسلي. كان أول ظهور للفنانة عالية حسين في برنامجي، رافقها الملحن أحمد باقر وقدمت «الحمد لك يا عظيم الشان، يا عالم السر والجهر»، كان فننا منبثقاً من التزامنا بالعادات والتقاليد. شاركها الغناء طالبات من المعهد العالي للفنون الموسيقية. عملنا «مابي أسمع» مع باسمة وهدى حمادة في اول ظهور لهما، ألحان عبد الرحمن البعيجان. صورت سينما أيضاً في منطقة المقوع واللقطات طبيعية من دون الـ «كروما» المستخدمة في وقتنا الحالي. جلست في أعلى البرج الذي كان في طور البناء وكانت «السقالة» لا تزال موجودة ولم تكن الشبابيك مركبة. ربطوني بحبل حول خصري ورفعوني إلى قمة البرج. ذاك كله لأقول «ودي اسمع كل طيب عن بلدنا».