Ad

عندما بدأت الحرب على العراق استقطبت كل الاهتمام العالمي، وكان العرب من المحيط إلى الخليج يرابطون إلى جانب وسائل وأجهزة الإعلام ويتابعونها لحظة بلحظة، إلى أن سقطت بغداد وإلى أن بدأ الناس يتعايشون مع هذا الحدث، وذلك إلى حد أن شيئاً لم يعد يثيرهم إلا بحجم إعدام صدام حسين.

 

لا أسوأ من أن يتعايش الرأي العام، القريب والبعيد والمعني وغير المعني، مع أي مشكلة من المشاكل ومع أي حرب من الحروب، فالحرب التي تدخل هذه الدائرة تصبح حرباً منسية والدليل على هذا أن حرب نهر البارد بين عصابة « فتح – الإسلام» والجيش اللبناني أصبحت بالنسبة لغير اللبنانيين على الأقل خارج دوائر الاهتمام الأولى، مع أنها عندما بدأت اختطفت الأضواء وعدسات الكاميرات من كل القضايا الساخنة الأخرى.

كانت الحرب الأهلية اللبنانية قد دخلت هذه الدائرة في مرحلة من المراحل، فهي كانت بدأت بـ «جولات» بقي اللبنانيون يعدونها حتى الجولة السادسة، ثم بعد ذلك «ضاعت الطاسة» وغدت الجولات جولة واحدة وتعالت ألسنة النيران في كل شارع وكل مدينة وذُبح أبرياء على الطرقات على أساس لهجتهم وهويتهم الطائفية.

كان الاهتمام يعود إلى لبنان عندما تقع حادثة كبيرة ويستجد حدث «دراماتيكي» مهم، وذلك كما حصل عندما غزت الجيوش الإسرائيلية الأراضي اللبنانية في العام 1982، بعد ستة أعوام من بداية الحرب، وعندما أُخرج ياسر عرفات مجبراً من بيروت محمولاً بسفينة إيطالية ومحروساً ببوارج أميركية وفرنسية ويونانية، وقبل ذلك عندما اغتيل بشير الجميل بعبوة ناسفة مباشرة بعد انتخابه رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس الأسبق، الراحل، إلياس سركيس، وبعد ذلك عندما سقط المئات من رجال «المارينـز» الأميركي صرعى بسيارة مفخخة انفجرت في مهجع نومهم في الجزء الغربي من العاصمة اللبنانية.

هناك الآن تمرد الحوثي في اليمن وهو كان قد دخل هذه الدائرة منذ فترة، وهناك أيضاً حرب دارفور والحرب الصومالية، والمؤكد أن «انقلاب» غزة والحدث الفلسطيني المستجد سيدخل هذه الدائرة قريباً وسيصبح لا يثير أي اهتمام، حتى اهتمام الفلسطينيين، إن لم يطرأ تطور جديد يستقطب الأضواء لبعض الوقت ثم يعود كل شيء إلى ما كان عليه وتذهب عدسات الكاميرات لتبحث عن حدث «طازج» أهم.

عندما بدأت الحرب على العراق في العام 2003 استقطبت كل الاهتمام العالمي، وكان العرب من المحيط إلى الخليج يرابطون إلى جانب وسائل وأجهزة الإعلام ويتابعونها لحظة بلحظة إلى أن سقطت بغداد وإلى أن بدأ الناس يتعايشون مع هذا الحدث، وذلك إلى حد أن شيئاً لم يعد يثيرهم إلا بحجم إعدام صدام حسين ومقتل أبو مصعب الزرقاوي، وماعدا ذلك فإن مقتل نحو مئة عراقي يومياً وفقاً للمعدل العام لم يعد خبراً يثير الدهشة ويستحق التوقف عنده.

...هكذا هي الأمور وهكذا هي أحداث التاريخ، وهنا فإن ما يجب أن يدركه العراقيون هو أنه سيأتي ذلك الوقت الذي لا يعد هناك من يهتم بأمورهم أو يسأل عنهم، حتى ولو قُتل منهم في اليوم الواحد ألف عراقي، وحتى لو هُدمت كل المساجد وكل الحسينيات العراقية، وحتى لو انقطعت الكهرباء بلا عودة وشحَّت المياه الى آخر قطرة، وحتى لو لم يبق حجرٌ على حجر من زاخو في الشمال وحتى صفوان في الجنوب!

إن هذه ليست أماني ولا رغبات، إن هذا هو الواقع، وهو واقع يجب أن يدركه ويفهمه العراقيون أولاً، والفلسطينيون ثانياً، واللبنانيون ثالثاً، ثم بعد ذلك يأتي دور الصوماليين والدارفوريين والحوثيين والمذابح المخزية التي لايزال يرتكبها الإرهابيون في جبال الأوراس التي كانت ذات يوم قلاع انطلاق لأبطال الاستقلال في الجزائر، الذين حققوا معجزة القرن العشرين بعد مئة واثنين وثلاثين عاماً من الاحتلال والوصاية، وغدت تلك الجبال أوكاراً للمهووسين والقتلة.

 

كاتب وسياسي أردني