هل سيتخلى نجاد عن تطلعاته الإقليمية؟!

نشر في 23-12-2007
آخر تحديث 23-12-2007 | 00:00
 صالح القلاب

ظل أصحاب الرؤوس الحامية المملوءة رؤوسهم بأوهام كثيرة يعود بعضها إلى نحو ألف وخمسمئة عام وأكثر يسعون إلى إقامة رؤوس جسور لتطلعاتهم في دولٍ مجاورة قريبة ودول بعيدة، وظلوا يعلنون على رؤوس الأشهاد أنهم يسعون إلى نفوذ إقليمي يعيد أمجاد إمبراطوريتهم القديمة. والآن هل سيتخلى الرئيس محمود أحمدي نجاد، مع وجود ملامح تغيرات في المنطقة، عن تطلعاته الإقليمية؟!

في البداية وبعد انتصار الثورة الإيرانية مباشرة في فبراير عام 1979 احتدم جدلٌ حاد في أوساط ذوي العمائم الذين أصبحوا هم صُناع القرار في طهران حول هل تكتفي هذه الثورة بإنجاز تجربة رائدةً تكون مُحفِّــزة لشعوب هذه المنطقة كي تكون لها ثوراتها الخاصة المماثلة أم ترفع بيرق «الثورة المستمرة» الذي كان رفعه ليون تروتسكي بعد انتصار الثورة «البلشفية» ليميز نفسه عن فلاديمير لينين وعن جوزيف ستالين ويعطي لنفسه ولأفكاره بعداً عالمياً في كل قارات الكرة الأرضية؟!.

لقد قيل هذا الكلام أكثر من مرة وقيل أيضاً إن المؤسف أن ذوي الرؤوس الحامية، الذين انطلقوا من منطلق الثارات التاريخية التي هي غير حقيقية، قد كسبوا ذلك الجدل وهذا جعل الدول العربية على الجهة الأخرى من الخليج بل جعل الدول العربية كلها حتى الواقعة على المحيط الأطلسي في الغرب تعلن حالة «الاستنفار» وتأخذ الوضع الدفاعي وتعيد النظر بتحالفاتها وتستقبل من كانت ترفض استقباله والمقصود هنا بالتحديد الولايات المتحدة الأميركية.

والمعروف، وهذا أيضاً قيل أكثر من مرة، أن صدام حسين قد اتخذ من تطلعات أصحاب نظرية «الثورة الدائمة» من ذوي العمائم الإيرانيين في المرحلة الجديدة حجة لحرب الخليج الأولى التي استمرت ثمانية أعوام وأكلت الأخضر واليابس، والتي لم يدفع العراق وحده ثمنها، بل أيضاً دول الخليج كلها، حيث انتهت الأمور إلى ذلك الغزو الأرعن والمدمر الذي قام به دكتاتور العراق ضد دولة شقيقة مجاورة.

كان يجب أن تتوقف إيران بعد حرب الخليج الأولى المكلفة عن التطلع إلى ما وراء الحدود، وكان يجب ألا تبقى رافعة شعار «الثورة الدائمة» بعد أن تجرعت وقف إطلاق النار بالنسبة لهذه الحرب كـ«تجرع السم»، كما قال الإمام الخميني رحمه الله، لكن هذا لم يحصل وبقي أصحاب الرؤوس الحامية المملوءة رؤوسهم بأوهام كثيرة يعود بعضها إلى نحو ألف وخمسمئة عام وأكثر يسعون إلى إقامة رؤوس جسور لتطلعاتهم في دولٍ مجاورة قريبة ودول بعيدة، وظلوا يعلنون على رؤوس الأشهاد أنهم يسعون إلى نفوذ إقليمي يعيد أمجاد إمبراطوريتهم القديمة.

والآن، بينما هناك ملامح تغيرات في هذه المنطقة فإن السؤال نفسه يتكرر: هل يا ترى سيتخلى الرئيس محمود أحمدي نجاد عن تطلعاته الإقليمية أم أنه -استناداً إلى قناعته بأن تقرير الاستخبارات الأميركية الأخير يدل على أن أميركا بدأت تتراجع وأن المزيد من الضغط عليها سيُعجِّل في هزيمتها وسيجعلها تغادر، ولو عسكرياً، في فترة لاحقة قــريبة- سيبقى يرفع راية « الثورة الدائمة « وسيواصل التدخل في الشؤون العربية الداخلية؟!

إن ما يحصل في العراق وفي لبنان وفي مواقع أخرى كثيرة يدلُّ على أن إيران، التي تشعر أن حلفها بات يحقق انتصارات على الأميركيين وعلى حلفائهم في هذه المنطقة، ماضية في مشروعها الإقليمي الذي عنوانه «الثورة الدائمة» وهذا يجعل التراخي العربي الذي ظهر أخيراً في أكثر من هيئةٍ وشكلٍ لا مبرر له، وهو غير جائز طالما أن أصحاب الرؤوس الحامية من ذوي العمائم في الدولة «الشقيقة والعزيزة» يعتقدون أن عليهم الاستمرار في السير على الطريق الذي يسيرون عليه وعلى أساس أن عودة المهدي المنتظر قد اقتربت وأنها باتت متوقعة في أي لحظة!

إنه لا مصلحة لا لعرب الخليج العربي ولا للعرب في أي منطقة أخرى في أي مواجهة مع إيران، وإنه لا مصلحة في أن يبقى الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة فترة أطول، لكن هذا يقتضي أن يتخلى الإيرانيون عن تطلعاتهم إلى ما وراء الحدود، ويقتضي أن يوقفوا تدخلهم السافر في العراق ولبنان ودول عربية أخرى، وبغير هذا فإن عليهم أن يدركوا أن «الضرورات تبيح المحظورات» وأنه لا يعيب من يواجه تهديدات كهذه التهديدات التي عنوانها «الثورة الدائمة» أن يستعين بالأميركيين وبغيرهم.

* كاتب وسياسي أردني

back to top