Ad

يسمونها «الشام» رغم أن هذا الاسم لم يعد له وجود إلا في كتب التاريخ، إنها دمشق... أقدم مدينة مسكونة في العالم بأسره، وتتحدث المصادر العربية دوما عن قدمها، فيذكر بعضها أن الذي شيدها هو «دمشق» أحد حفدة سام بن نوح، ويشير البعض الآخر إلى أن إبراهيم عليه السلام أقام فيها، ويرى بعض الجغرافيين العرب أنها المقصودة بالآية الكريمة «إرمَ ذاتِ العمادِ، الّتي لَمْ يخلقْ مثلها في البلاد». (سورة الفجر، 7-8).

وبغض النظر عن هذه التفسيرات فقد أثبتت الحفائر الأثرية أنها كانت موجودة منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وقد سجل اسمها على جدران معبد الكرنك بمصر، وكان يعرف في المصرية القديمة باسم «تيماسكي»، وقد كانت لفترة من الزمن عاصمة لمملكة أرامية هي «دار ميسق» ومنها اشتق الاسم دمشق.

وظلت دمشق مدينة مأهولة بالسكان في عهود الإغريق والرومان، وازدهرت منشآتها من معابد وأقواس رومانية.

وعني الأمويون بدمشق فشيد معاوية بها قصرا منيفا أطلق عليه اسم «القصر الأخضر». وحسبما يذهب الحميري في كتابه الروض المعطار، فقد فرش الوليد بن عبدالملك طرق دمشق بالرخام الأبيض المختم باللازورد تختيما متداخلا، وإذا كانت هذه الطرقات المفروشة بالرخام لم تصل إلينا، فقد احتفظت دمشق بالمسجد الجامع الذي شيده الوليد بن عبدالملك في ما بين سنتي 88 و96هـ (707 و715م).

وهو يعد أول بناء يختطه المسلمون في دمشق بعد فتحها، وقد كان أولا مجرد مصلى في الجزء الشرقي من كنيسة أقيمت بدورها على أنقاض معبد وثني قديم للإله حود. وحدث أن أبا عبيدة بن الجراح عند فتح المدينة دخل دمشق من جهة الغرب ووصل إلى شطر الكنيسة الغربي، وقد وقّع الصلح، بينما دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي عنوة وفتح الشطر الشرقي من الكنيسة حربا.

وقد أدى سقوط الخلافة الأموية ومقتل مروان بن محمد آخر خليفة أموي في عام 132هـ في ما يبدو إلى بعض التراجع في عمارة دمشق، حتى رأينا هارون الرشيد يرسل إلى الحسين بن عمار عامله عليها يعاتبه على تدهور أحوالها قائلا: ولّيتك دمشق وهي جنة تحيط بها غدر تتكفأ أمواجها على رياض كالدراري فما برح بك التعدي لإرقاقهم أن جعلتها أجرد من الصخر وأوحش من القفر.

ولكن دمشق سرعان ما استعادت نماءها وظهرت في العصر العباسي معالمها المميزة بها إلى اليوم، حيث صارت تتألف من أحياء مغلقة تتضمن مسجدا وحماما وأسواقا، ولكل حي شيخ وحارس وباب مغلق.

وقد لفتت دمشق أنظار الرحالة والمؤرخين بفضل غوطتها اليانعة وموقع المدينة على سفح جبل قاسيون والأنهار السبعة التي تغذيها، حتى انها وصفت بأنها البلد الذي تمت محاسنه، ووافق ظاهره باطنه، فحيثما مشيت شممت طيبا وأينما توجهت رأيت منظرا عجيبا.

ومنذ عصر الطولونيين (254 – 292 هـ) ارتبط مصير دمشق بولاية مصر، وصار الولاة يتطلعون الى ضمها حتى يسهل عليهم الدفاع عن ممتلكاتهم في مصر، إذا ما أرادت الخلافة في بغداد مهاجمتها، وما ان انفصلت دمشق عن الطولونيين حتى استولى عليها محمد بن طغج الإخشيد ولم يغير زوال الدولة الإخشيدية على يد الفاطميين في عام 358هـ من الأمر شيئا، إذ دخلها الفاطميون وضموها هي وكل بلاد الشام إلى أملاك الخلافة الفاطمية، وظلت دمشق جزءا من الدولة الأيوبية وسلطنة المماليك في مصر حتى انتهى هذا الوضع الوحدوي بالغزو العثماني لدولة المماليك.

تحتفظ المدينة ببعض أبراج أسوارها القديمة مثل برج نورالدين وهو مربع القاعدة، ثم يستدير، ويقع هذا البرج جنوب باب الجابية، وهناك أيضا برج الملك الصالح أيوب ويقع شرقيّ باب توما.

وتحفل دمشق بأسواقها القديمة وهي ضيقة شبه مستقيمة تقوم على طرفيها الدكاكين المختلفة، ويغطي السوق (سقيفة) من الخشب أو من المعدن. وتتكاثف الأسواق قرب المسجد الجامع مثل سوق العطارين والبزورية والخياطين والقلبقجة والحرير والصاغة وسوق القناديل.

ويعتبر سوق الحميدية الأشهر بين أسواق دمشق، وهو مؤلف من قسمين، الغربي منهما أنشئ في عهد السلطان عبد الحميد الأول، وعرف بالسوق الجديد في عهد الوالي محمد باشا العظم، أما القسم الثاني وهو الشرقي فيمتد من العصروقية إلى باب البريد، وقد أنشئ في عهد عبدالحميد الثاني وبأمر من الوالي راشد ناشد باشا، وأطلق على السوق بأكمله سوق الحميدية لأنه بني في عهدي عبدالحميد الأول والثاني.

وقد تعرضت دمشق عبر تاريخها لنوائب عدة، لعل أقلها خطرا تلك الحرائق المتكررة التي دمرت أجزاء من الجامع الأموي وزخارفه، ورغم ذلك كله فهي لا تزال تحمل عبق تاريخ طويل ومجيد يتناسب وكونها أقدم مدينة مأهولة في العالم، وأول حاضرة لخلافة إسلامية ترامت أطرافها من حدود الصين والهند شرقا إلى بلاد الأندلس غربا.