استحضار إدارة بوش لنموذج كوريا الجنوبية كتصور لمستقبل المهمة العسكرية الأميركية في العراق، أمر مضلل بطريقة ما. فالمعارضون للحرب كزعيم الأغلبية الديموقراطية في الكونغرس هاري ريد يميلون إلى الاستنتاج بأن الرئيس بوش يأمل في إبقاء القوات الأميركية في العراق 50 عاما؛ وفي الحقيقة، فإن المغزى الحقيقي، كما أوضح وزير الدفاع روبرت غيتس، هو أن العراق يجب ألا ينتهي كما حدث مع فيتنام. ولكن إذا كان القياس على النموذج الكوري فيه مبالغة بشأن المدة المرجحة لمهمة العراق، فإن الأمر يبدو أسهل مما ينبغي. فعقب الهدنة التي أنهت الحرب الكورية، عانت المهمة الأميركية إصابات قليلة. وفي المستقبل المنظور، أي وجود عسكري أميركي في العراق سيعني تكلفة مؤلمة ومستمرة في الأرواح الأميركية.

Ad

وبرغم ذلك، فمن المنطقي بالنسبة لبوش أن يبدأ تركيز الجدل بشأن العراق على الحاجة إلى تواجد أميركي فيما بعد الاندفاع الحالي للقوات في بغداد وفيما بعد إدارته. حتى الآن، كانت نتائج الاندفاع «ضئيلة» وفقا للقائد الأميركي في بغداد رايموند أودييرنو. وبينما قد يعزز نشر مزيد من القوات الأمن في العاصمة خلال الصيف، لا توجد فرصة كبيرة بأن كل أو حتى معظم الأهداف السياسية التي تضمنها قانون التمويل الذي أقره الكونغرس سيتم الوفاء بها. في هذه الحال، سيواجه بوش ضغطا استثنائيا في الخريف لتغيير التكتيكات والبدء في سحب القوات الأميركية. وبرغم ذلك، يعتبر القياس على النموذج الكوري والذي ذكره الرئيس خلال الأسبوع الماضي إضافة إلى تصريحاته الأخيرة، مؤشرات مشجعة بأنه بدلا من الدخول في معركة أخرى مع الكونغرس، فإنه، وكما أوضح في تصريحه الأخير، ربما سيحاول إيجاد أرضية مشتركة مع الديموقراطيين والجمهوريين على أساس طويل الأمد لتحقيق الاستقرار في العراق.

والصيغة الأفضل لتحقيق ذلك الإجماع معروفة جيدا: إنها خطة بيكر-هاميلتون، التي تدعو إلى انسحاب تدريجي لمعظم قوات القتال الأميركية وإعادة التركيز على مهمة تدريب الجيش العراقي، ومحاربة القاعدة والدفاع عن العراق من غارات جيرانه. وتفيد تقارير بأن الإدارة تدرس خططا لتقليل عدد الألوية الأميركية المقاتلة خلال العام المقبل، مما سيخفض المستوى الكلي للقوات من نحو 150 ألفا إلى 100 ألف أو أقل. ولكن يجب أن تترافق انسحابات القوات مع التطورات على الأرض: وسيحاول قادة أميركيون تسليم السلطة في بغداد إلى قوات عراقية حتى لا تضيع مكاسب الاندفاع. وكلما تحولت القوات الأميركية بسرعة إلى مهمة التدريب والتدخل السريع، كلما كان من المرجح أن تلقى هذه المهمة دعم الأميركيين والكونغرس.

ومثل هذا الدعم ضروري للغاية. فكما كانت الحرب في العراق مؤلمة ومكلفة، فإن الولايات المتحدة مرشحة لخسارة المزيد إذا تخلت ببساطة عن بلد في قلب الشرق الأوسط وسلمت النصر إلى «القاعدة» والمتشددين الآخرين. وكمعظم الدول التي نهضت بعد عقود من القمع، يبدو العراق بحاجة إلى سنوات قبل أن يستقر؛ بينما يردد الساسة والقادة الأميركيون فيه القول إنهم لن يعملوا وفق جدول زمني لواشنطن. وسواء ساهم ما تحملته الولايات المتحدة خلال هذه السنوات من دفاع وتدريب ودعم للقوى العراقية المعتدلة في تقرير مصير البلد بعد أن يستقر، سواء كانت متحالفة مع القوى التحررية والعصرية في الشرق الأوسط أم مع المتفجرين الانتحاريين، فإن ما نحن بحاجة إليه ليس الاندفاع المستمر للقوات الأميركية، ولكن مهمة قابلة للاستمرار سياسيا وماديا. لقد آن الأوان لكي يبدأ الكونغرس وإدارة بوش الحديث بشأن ما يجب أن تكون عليه تلك المهمة.