بغض النظر عن الجانب النظري والتحليل السياسي والإجراءات الدستورية التي ترسم بوضوح الخطوات الخاصة بالمساءلة السياسية حتى على مستوى رئيس مجلس الوزراء، تبقى مجموعة من علامات الاستفهام البارزة في ملف التصعيد المتكرر ضد الشيخ ناصر المحمد لا تخضع لتفسيرات المنطق السياسي الموضوعي.في النظام الدستوري والحياة البرلمانية الكويتية لا يوجد مسؤول خارج دائرة المساءلة السياسية بما في ذلك رئيس مجلس الوزراء، ولعل فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء قد شجع رفع مستوى الخطاب السياسي خصوصاً تحت قبة البرلمان لتفعيل الرقابة الشعبية وفق أعلى المستويات، وهذه خطوة سياسية لن يتم التراجع عنها مستقبلاً في الحياة البرلمانية، وبمعنى آخر فإن أي رئيس لمجلس الوزراء سوف يكون عرضة للهجوم الإعلامي والنقد البرلماني وقد يخضع للمساءلة السياسية؟
ومن هذا المنطق فإن الدعوات المتكررة لإقالة رئيس الحكومة أو التهديد باستجوابه، وبقدر ما تسجل نقطة انطلاقة جديدة في الديموقراطية الكويتية، إلا أنها سوف تفتح آفاق الصراع السياسي في نسخة متكررة من مواقف القوى السياسية أو الكتل البرلمانية من الوزراء، فقد شاهدنا أمثلة كثيرة جداً على استهداف وزراء محددين واستجوابهم وتجهيز الملفات الساخنة بخصوص الجهات التابعة لهم من قبل نواب معينين، وبمجرد رحيل الوزير أو استبداله بوزير آخر من مذاق نفس النواب تتحول وزارته إلى جنة من المثالية والنزاهة، بل يصل الأمر إلى حد تبرير تلك المشاكل والسعي إلى طمطمة تلك الملفات وكأن شيئاً لم يكن.
ومثل هذه الصورة المصغرة والمتكررة على امتداد الفصول التشريعية يمكن أن تمارس، بل قد تصبح ظاهرة سياسية ولكن على مستوى رئيس الوزراء، وبسبب انعدام مثل هذه التجربة السياسية من قبل قد يصعب التكهن بنتائج وتداعيات استهداف رأس الحكومة، فقد تكون التجربة بمنزلة إثراء لطريقة ونهج الإدارة السياسية العليا، وفتح المجال أمام قيادات جديدة وبفرص مواتية ورؤى مستحدثة، وقد تكون في نفس الوقت صورة أخرى من صور الصراع السياسي وعدم الاستقرار الوزاري والدخول في دوامة من الخلافات السياسية التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتدخل أطراف من الأسرة بترتيبات أو تكتيكات مع قوى سياسية وشخصيات متنفذة في هذا النوع من النزاع التنافسي الذي تبقى آثاره وإفرازاته في رحم المجهول.
وبغض النظر عن الجانب النظري والتحليل السياسي والإجراءات الدستورية التي ترسم بوضوح الخطوات الخاصة بالمساءلة السياسية حتى على مستوى رئيس مجلس الوزراء، تبقى مجموعة من علامات الاستفهام البارزة في ملف التصعيد المتكرر ضد الشيخ ناصر المحمد لا تخضع لتفسيرات المنطق السياسي الموضوعي، لا أقصد هنا طريقة الأداء الحكومي أو مستوى الخدمات العامة أو برنامج عمل الوزارة في عهد سمو رئيس مجلس الوزراء التي لا تختلف في سياقها العام عن تجربة العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير.
وما أقصده هنا أن ثمة ملاحظتين جديرتين بالإجابة من قبل المتصدين اليوم للهجوم على رئيس الوزراء تحديداً، وتكمن الملاحظة الأولى في التمثيل الوزاري لمعظم من هددوا ولوحوا بالاستجواب الكبير من تيارات سياسية وكتل نيابية، الأمر الذي يضعهم مباشرة أمام مسؤولية الفشل الحكومي الذي يعلنونه، وهذا ما يتطلب ابتداءً خروج رموزهم أو المحسوبين عليهم من التشكيل الوزاري أو التبرؤ منهم سياسياً قبل تقديم أي استجواب لرئيس الحكومة.
وتتمثل الملاحظة الأخرى والأكثر غرابة في كثرة التهديد والوعيد بمساءلة سمو الرئيس وسرعة التراجع عن ذلك أو الاستدراك والتنويه بأنه ليس المقصود بالمحاسبة، وهذا ما يكشف بعد الابتزاز السياسي أو وجود تعليمات وتوجيهات وقتية، الأمر الذي قد يفقد مصداقية أي استجواب في حالة تقديمه.