النتيجة: لم ينجح أحد
يبدو أن الأثر، الذي تركته تداعيات حركة جهيمان، كان أكبر مما يُعتقد، وأن تعامل الأنظمة في المنطقة مع تداعيات تلك الظاهرة كان المزايدة في «التدين السياسي»، مما أدى إلى وضعنا جميعاً من دون استثناء في نفق مظلم لا نهاية له.
من الواضح أن الأثر الذي خلفته وتركته حركة جهيمان لم يكن مقتصراً فحسب على حادثة حصار مكة في نوفمبر 1979، فآثارها كما يبدو واضحة للعيان حتى يومنا هذا.ولنأخذ على سبيل المثال المنظّر للجماعات الإسلامية المتشددة ابو محمد المقدسي، فالمقدسي واسمه الحقيقي عصام برقاوي كان قد نشأ في الكويت وانخرط وتأثر بفرع «الجماعة السلفية المحتسبة» في الكويت، وكان لجهيمان عليه تأثير بالغ، ومع أن المقدسي أو البرقاوي ترك الجماعة لاحقاً وغادر إلى أفغانستان، واختط له خطاً أكثر تشدداً من جهيمان، حيث ذهب المقدسي إلى تكفير الحكام، بينما لم يذهب جهيمان إلى هذا المذهب، إلا أن وزن جهيمان وقيمته في كتابات المقدسي ملحوظان، وبالتالي فإن المرجعية الروحية- إن جاز التعبير- للعديد من الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة كانت خرجت من رحم «الجماعة السلفية المحتسبة» أو بتسمية أخرى «الإخوان السلفيون». ويبدو أن العديد من الأسماء المعروفة للجماعات المتطرفة قد خرجت من الكويت ونشأت فيها؛ كخالد الشيخ محمد ورمزي يوسف وغيرهما، عندما نتفحص أكثر مكونات الثلاثة والستين شخصاً الذين تم إعدامهم بعد انحسار معركة الحرم، حيث تم إعدامهم في 9 يناير 1980، كان من بينهم 41 سعودياً و10 مصريين و7 يمنيين و3 كويتيين وعراقي وسوداني.عندما تأسست «الجماعة السلفية المحتسبة» في الستينيات، وحصلت على مباركة وإقرار الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومن ثم الشيخ ناصر الدين الألباني لم تكن إلا عبارة عن جماعة لتحصيل العلم الشرعي، وقادها إلى حين الشيخ أبو بكر الجزائري.وفي حقبة لاحقة تأسس «بيت الإخوان»، الذي كان مقراً لتجمع الجماعة، وشيئاً فشيئاً زاد الأتباع وبرز جهيمان كأحد عناصر الاستقطاب، وطفت على السطح ممارسات اعتبرها العلماء التقليديون خروجاً عن السياق حتى عُقد ذلك الاجتماع التاريخي في صيف عام 1977، وحضره ابن باز والجزائري وجهيمان وآخرون، والذي شهد جدالاً حاداً بين جهيمان والجزائري وكان بداية للانشقاق والتحول وفراقا لا عودة بعده، وكان أن تبع الأغلبية جهيمان، وبدأ تحول كانت نهايته في أحداث الحرم المكي الدامية.ولا يبدو أن ذلك الأمر قد انتهى بإعدام مجموعة الحرم أو القبض على مؤيديهم، فوجدنا ملامح تتجدد مرة أخرى في إنشاء «بيت شبرا» في التسعينيات، الذي تأسس بمنطقة السويدي بالرياض، وقد حاول مؤسسوه أن يبنوه على نموذج «بيت الإخوان»، إلا أن درجة التسييس التي عصفت بأركانه أدت الى انشقاقات وتصدعات لا نهاية لها.وهكذا يبدو ان الأثر الذي تركته تداعيات حركة جهيمان كان أكبر مما يُعتقد، وأن تعامل الأنظمة في المنطقة مع تداعيات تلك الظاهرة كان المزايدة في «التدين السياسي»، ما أدى إلى وضعنا جميعاً دون استثناء في نفق مظلم لا نهاية له، لقد سعت حكومات المنطقة في محاولتها للتعامل مع ظاهرة التطرف الديني إلى قيامها هي بالدور نفسه حفاظاً على ذاتها وسلطتها السياسية، وسعياً منها إلى سحب البساط من تحت أقدام التطرف... فكانت النتيجة: لم ينجح أحد.