أنقذوا البلاد من البدون!!
لقد آن الأوان لإنقاذ البلاد من مأساة البدون ولن يكون التأخير فيها إلا جراً لجسم الوطن على الشوك وتعريضه لما لا قِبَل له من الأذى، وليكن الحل بيدنا وفقا للمعايير التي تحفظ أمن البلد والمعايير الإنسانية الحقة، لا بيد «عمرو» أو «جورج» أو غيرهما.
منذ عام بالضبط أقمنا، ككويتيين نستشعر بخطورة استمرار مأساة البدون من دون حل، مهرجاناً حاشداً تحت رعاية ودعم الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان في جمعية الخريجين. وقد حضر ذلك المهرجان آلاف عدة من البشر، وكان حدثاً تاريخياً بكل المقاييس فقد وضعنا له عنوان «البدون يتحدثون». وقد كان ذلك المهرجان، أو الندوة... لا فرق، بحق صرخة مدوية بكل المعاني، اتضح من خلالها عمق المأساة التي طالما تحدثنا عنها، ولكن لا حياة لمن تنادي، فمازال بعضهم يتعامل مع المسألة من المنظورين الأمني والسياسي، علماً بأن تأجيل التعامل الجدي مع مأساة البدون سينعكس سلباً على الكويت أمنياً وسياسياً على حد سواء.ويبدو أن تلك الصرخة المدوية التي أطلقها البدون منذ عام قد أحدثت أثراً ما، ونقلة نوعية بدرجة أو بأخرى، فألقت حجراً ما في المياه الراكدة، وتحركت بعض الملفات التي كانت جامدة، ولكننا مازلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق الحل الإنساني المنشود الذي نتوخى فيه إنهاء المشكلة في أسرع وقت من دون الإخلال بالبعد الأمني وسيادة الكويت.ويتصور بعضهم أن الاشكالية في موضوع البدون ترتكز على أنهم قد أخفوا هوياتهم الحقيقية، وأنهم يخدعون الدولة، وأنهم غير مستحقين للجنسية، بل إن بعضنا يعتقد ويتصور أن مشكلة البدون قد بدأت بعد تحرير الكويت من براثن الغزو الغاشم، وهو تصور خاطئ ومخطئ إلى حد بعيد. حيث يجهل البعض أن البدون كانوا يعاملون معاملة الكويتيين حتى عام 1985، حتى تغيرت سياسة الدولة فجأة ومن دون مقدمات وتحولت إلى سياسة من التشدد غير المنطقي الذي لا يخضع لمنهج بعيد النظر، وقد أثر وسيظل يؤثر سلباً على الكويت سياسياً، وقبل هذا وذاك أمنياً. واللافت للنظر أن سياسة التشدد اللاإنسانية تلك لم تحقق ما أراد لها واضعوها من نتائج، وهو تخفيض أعداد البدون، حيث ان الذي أسهم في تخفيض أعداد البدون حقيقة هو الغزو، وخروج نحو نصف البدون من الكويت وعدم عودتهم مرة أخرى. بل إن سياسة التشدد تلك رافقتها تخبطات لا نهاية لها، حيث برزت مشكلة الجوازات المزورة التي تشجع على اقتنائها وزارة الداخلية الموقرة من ضمن البدائل التي يتصورها القائمون على تنفيذ تلك السياسة المؤسفة. وهكذا أصبح لدينا الآلاف ممن يحملون جوازات مزورة يحملون أختام إقامات رسمية تحت سمع وبصر ومرأى وعلم، بل وتشجيع أجهزة الأمن، وبالتالي تعبير عن قمة الاستهتار والعبث بأمن البلاد من قبل جهاز الأمن، وذلك بهدف إظهار أن سياسة التشدد تحقق نتائج فعلية... كيف؟ لا أدري!لقد آن الأوان للتعامل مع موضوع البدون بجدية وعدم المراهنة على الزمن في حله، فالزمن لن يحل هذه المسألة، ولن يحلها إلا أولئك الذين يرون الخطر القادم على البلاد والتعامل مع الموضوع من منظور إنساني، وإنهاء المعاناة الإنسانية جملة وتفصيلاً ومن دون تأخير، ومن ثم التفرغ لموضوع الجنسية والتعامل معها بموجب الشرائح والفئات التي طالما تم طرحها. ويبدو أن بعضنا يتصور أن الكويت دولة قادرة على التصدي إلى الضغوط القادمة من هنا وهناك، وهو أمر قد أوضحته الشواهد والأدلة بأننا كدولة صغيرة حساسة جداً للوضع الدولي إنما نتعامل بدقة ونأخذ في الاعتبار «ملاحظات» و«تصورات» الدول الصديقة، وبالذات الكبرى منها، وهناك في ذلك الأمر معلومات لا حصر لها، وأمثلة مؤسفة عن تغير السياسات الحكومية عندما اشتد «النصح». في الوقت الذي يظهر فيه المسؤولون ذاتهم، وزراء ونواب لا فرق، يتحدثون عن سيادة البلد وعدم المساس بها للأسف. وإلا فهل يقبل المنطق السليم القبول بوجود «أشخاص مقيمين بصورة غير قانونية» من دون أن تقوم الدولة بواجبها تجاه مخالفتهم.عندما كنا في الأسر أيام الغزو وقبل ان يتم نقلنا الى معتقل «أبو صخير» في شمال البصرة، جاء الغزاة ليسألونا تحديد هوياتنا ويعلنوا «كل من هو غير كويتي يخرج...»، وأتذكر جيداً أن كويتياً ادعى أنه بدون فتم إخراجه، واكتشفت لاحقاً أن عدداً ممن تم نقلهم معنا كانوا من البدون... وعندما سألت أحدهم لماذا لم تفصح للسجانين بأنك بدون فتخرج مع مَن خرجوا... فكانت إجابته تلقائية ومن دون تردد «إحنا نعتبر نفسنا كويتيين... وإحنا وياكم على الحلوة والمرة...» وكم كان ذلك موقفاً صادقاً، وطنياً. ولديّ من هذه الأمثلة الكثير لمن يريد أن يعرف.لقد تسَّنى للكويت فرصة ذهبية قد لا تتكرر لبلد آخر ألا وهي فرصة الغزو لكي تكون معياراً للانتماء إلى هذا الوطن، ولكن يبدو أننا أساتذة في إضاعة الفرص الذهبية.لقد آن الأوان لإنقاذ البلاد من مأساة البدون ولن يكون التأخير فيها إلا جراً لجسم الوطن على الشوك وتعريضه لما لا قبل له من الأذى، وليكن الحل بيدنا وفقا للمعايير التي تحفظ أمن البلد والمعايير الإنسانية الحقة، لا بيد «عمرو» أو «جورج» أو غيرهما.إن سياسة التشدد في موضوع البدون هي سياسة لا يبدو انها تضع الزمن في حسابها، فقد مضى عليها حتى الآن 22 عاماً بالتمام والكمال، وهي سياسة مخالفة للقانون الكويتي، كما أن تداعياتها تضر بأمن البلاد، وهي مخالفة للدستور والشرع، وقبل هذا وذاك هي مخالفة للقيم والمبادئ الإنسانية والتزامات الكويت تجاه المجتمع الدولي، فهل يحق لنا أن نتساءل إلى متى ستستمر هذه الإجراءات؟ عشر سنوات، عشرين سنة؟ وما المعايير التي يتم بها قياس نجاح أو فشل تلك السياسة، وهو أمر يتجاوز المسؤولين عن تنفيذ تلك الإجراءات في الوقت الراهن.لقد بات واضحاً وبعد سياسات التعلم والخطأ، أن المدخل الوحيد للتعامل مع مأساة البدون هو المدخل الإنساني، وأن الاستمرار في الوضع الحالي الذي يتعامل مع القضية بأسلوب الدفع الذاتي هو أسلوب ضار ومؤذ ولا يخدم مصلحة الكويت،فانقذو الكويت من مأساة البدون رحمة بالكويت ومستقبلها.