لم يعد حتى الأصدقاء يفهمون سياسات ومواقف سورية «الشقيقة»، وهذا يعني إما أن هؤلاء غدوا مصابين بداء عدم الإدراك، وإما أن «القطر العربي الشقيق» بات غير قادر على إيصال ما يريد إيصاله الى أصدقائه وأشقائه، بصورة واضحة لا تحتمل التأويل وغير قابلة للخضوع الى الاستنتاجات الاعتباطية الخاطئة!

Ad

لا أحد، حتى الشقيق والصديق والمؤازر، يفهم لماذا ترفض دمشق المؤتمر الدولي الذي دعا جورج بوش الى عقده في الخريف المقبل... ولماذا انسحب المندوب السوري من اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، الذي ناقش هذه المسألة، وتحفظ على مقــرراته بحجة ان هناك انقساماً فلسطينياً... وأنه لا يجوز البحث في أي حلٍّ للقضية الفلسطينية مادام أن هناك مثل هذا الانقسام!

ولا أحد يفهم لماذا تحفَّظت دمشق، كل هذا التحفظ، على صفقات الأسلحة «الموعودة» إلى دول الخليج العربي، التي يهز محمود أحمدي نجاد قبضته، في صبيحة كل يوم ومسائه، أمام أنوف أهلها، حتى بما في ذلك الذين يلعبون معه لعبة «التقية»، التي تلعبها بلاده معهم؟

أولاً: المفترض أن العرب كلهم، بمن فيهم سورية، مازالوا مع قرار «قمة الرباط» العربية في العام 1974، الذي نص من دون تحفظ أحد ٍولا اعتراضه على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وثانياً: ان عملية السلام بدأت وبقيت مستمرة من دون حركة «حماس»، وثالثاً: ان اتفاق مكة المكرمة الأخير قد نص، وبموافقة حركة المقاومة الإسلامية، على أن المفاوضات مع الإسرائيليين يجب أن تتولاها المنظمة الفلسطينية بعيداً عن حكومة الوحدة الوطنية، ورابعاً: ان «حماس» نفسها لم ترفض هذا المؤتمر الدولي، وإن هي أوردت بعض الملاحظات عليه.

إذن، لماذا قامت دمشق بهذه الحركة الاستعراضية وسحبت ممثلها من اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير؟... والجواب هنا هو أن دمشق لا تريد أي تقدم على المسار الفلسطيني قبل إتمام الحل المنشود على مسارها... وهذا ربما هو سر الانقلاب العسكري الذي نفذته حـركة «حماس» ضد السلطة الوطنية في غزة!

ثم، ولأن دمشق تعرف معرفة أكيدة أن تعزيز القدرات العسكرية لدول الخليج العربي لا يستهدفها على الإطلاق، ولأنها تعرف أيضاً أن سلاح الجيوش الخليجية بغالبيته هو سلاح أميركي، ليس منذ الآن، بل ومنذ البدايات، عندما كان هناك صراع معسكرات وكانت هناك حرب باردة، فإنه غير مفهوم لماذا يبادر وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى رفض و«بشدة» صفقة الأسلحة الأميركية التي تم الإعلان عنها إلى هذه الدول التي تتلقى تهديدات إيرانية يومية، إن بصورة معلنة وصريحة، وإن بصورة يمكن إدراجها تحت بند «التقية»!

ربما، من حق سورية أن تحافظ على علاقاتها مع إيران، التي حافظت عليها خلال حرب الأعوام الثمانية مع العراق، حيث انفردت بموقف اختلف عن مواقف بقية الدول العربية كلها، لكن ما يثير المزيد من التساؤلات بالفعل، هو أن تقف دمشق هذا الموقف وأن تبادر، حتى قبل طهران، إلى الرفض و«بشدة» لصفقة الأسلحة الأميركية إلى الدول الخليجية، التي تنام وتصحو على زمجرات محمود أحمدي نجَّاد وادعاءات حسين شريعتمداري في صحيفة «كيهان» الإيرانية.

حتى قطر، التي تنفرد بموقف الاقتراب من إيران، لم تسْلم من تهديدات محمود أحمدي نجاد فهو قال ومباشرة، خلال زيارة إلى طهران كان قد قام بها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إن أول صاروخ ستطلقه بلاده ستكون وجهته الدوحة في حال اندلاع حرب أميركية - إيرانية!

 كاتب وسياسي أردني