ما بعد الاستجواب...ماذا عن الضحايا؟
كان ضحية الاستجواب الأخير ضحايا عدة لم يلتفت إليهم كثيرون، وفي مقدمة هؤلاء جاء الأطفال الأبرياء الذين تعرضوا للاعتداء البشع، إضافة إلى ضحية أخرى هي الفتاة التي اتهمت بإصدار تعليق مسيء على القرآن الكريم، إذ تعرض جميعم إلى الإساءة والتشهير بهم وبذويهم، كما كانت الوحدة الوطنية إحدى ضحايا الاستجواب حيث برزت نعرات عنصرية وفئوية ومناطقية بغيضة... فمن يداوي جراح هذه الضحايا؟!
بعيداً عن الأهداف السياسية للاستجواب الظاهر منها والمستتر والمتحقق منها والمؤجل ، وما قد توافق معها من «ترتيبات» تمت من فوق الطاولة أو من تحتها ، في وضح النهار أو في عتمة الليل، ومع التأكيد أن الاستجواب حق دستوري لا نزاع عليه، فإن السؤال الذى لايزال من دون جواب هو: ماذا عن الضحايا الذين جاء ذكرهم في الاستجواب، والذين من المفترض، أو هكذا ذُكر، أن الاستجواب قُدم من أجلهم أو بسببهم؟ويأتي في مقدمة هؤلاء الضحايا، الأطفال الأبرياء ضحايا جريمة مدرسة العارضية الذين وقع عليهم الاعتداء البشع وأولياء أمورهم وأيضا زملاؤهم تلاميذ المدرسة. فالأطفال الأبرياء الذين تعرضوا مباشرة للاعتداء الجنسي وللتشهير بسمعتهم يحتاجون إلى علاج وتأهيل نفسي قد يستغرق وقتاً طويلاً. كما أن الشيء ذاته ينطبق على أولياء أمورهم الذين تعرضوا هم الآخرون لضغوط ومعاناة نفسية رهيبة نتيجة لما تعرض له أبناؤهم من اعتداء بشع وتشهير بسمعتهم، ومن المفترض أن تتعدى مساندتنا لهم الخطابات والتصريحات السياسية والاستجواب، فعلى وزارتي التربية ووزارة الصحة مسؤولية توفير برنامج نفسي تأهيلي لهم جميعاً تُراعى فيه الجوانب الإنسانية والاجتماعية.كما أن زملاء الضحايا من تلاميذ المدرسة يحتاجون أيضاً إلى برنامج تأهيلي خاص، فقد كانت مدرستهم مكاناً لوقوع الجريمة التي كانت مادة يومية للإعلام وأحاديث الناس وتم التطرق إليها بتفاصيل مؤلمة وقت مناقشة الاستجواب مما سيكون له تأثير سلبي في شخصياتهم وفي تحصيلهم العلمي لا يعرف السياسيون طبيعته وشدته وكيفية علاجه حيث أن ذلك منوط بذوي الاختصاص كالتربويين والأطباء والمرشدين النفسيين. كذلك الحال بالنسبة للتلميذة التي اتهمت بأنها علقت بكلمات مسيئة على كتاب تفسير القران الكريم، لأنها تظل ضحية أيضاً حتى في حالة إدانتها، التي يبدو أنها لم ثبت حتى الآن. لأن العلاج في حالة الإدانة لا يكون بالطريقة التي طُرحت بها أثناء مناقشة الاستجواب، التي لم تخل من العاطفة المسيّسة، بل إنه، أي العلاج، يحتاج إلى متخصصين تربويين ونفسيين أيضاً. يأتي بعد ذلك كضحايا كل الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الاستجواب، حيث شُهر بهم بالحق وبالباطل، ومن حقهم المطالبة بالتعويض عما مسّ سمعتهم من إساءة أمام الشعب الكويتي. فليس من السهل أن يتم التعرض بالسوء لسمعة إنسان وهو بريء. وقد ذُكرت أسماء هؤلاء الأشخاص، وهم في أسوأ الأحوال متهمون أبرياء حتى تثبت إدانتهم، كما أن طرفي الاستجواب أو حتى المجلس ليسوا جهة قضائية تستطيع أن تصدر أحكاماً بإدانة المتهمين، ومن الخطأ الجسيم تداول أسماء الأبرياء أمام الرأي العام بشكل مسيء ومن ثم يتم تناسيهم بمجرد انتهاء الاستجواب.كما كانت الوحدة الوطنية إحدى ضحايا الاستجواب أيضا حيث برزت، خصوصاً بعيد تقديم الاستجواب، بعض النعرات العنصرية والفئوية والمناطقية البغيضة التي حاول بعضهم استغلالها مما كان له انعكاسات سلبية على الوحدة الوطنية. والمطلوب الآن «ترميم» الجسور الوطنية وتصحيح بعض المصطلحات الخاطئة التي عادة ما يتداولها ضعاف النفوس والمتكسبون سياسياً عند كل استجواب.أخيراً وليس آخراً، فإن التعليم يظل هو الضحية الدائمة للتجاذبات والخلافات السياسية، ودائماً ما يُستخدم للأسف كأداة من أدوات الصراع السياسي، لذلك ينتهي الاستجواب ويبقى حال التعليم متردياً. فلقد تم استجواب أربعة وزراء للتربية والتعليم العالي منذ التحرير حتى الآن، ومع ذلك لايزال وضع التعليم متردياً. صحيح أنه لن يتم إصلاح التعليم بشكل جذري ما لم يتم الإصلاح السياسي أولاً، ولكن رغم ذلك فإن المطلوب من وزيرة التربية والتعليم العالي، بعد أن تتجاوز طرح الثقة، أن تعلن بشكل سريع خطتها الوطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فالتعليم يعاني أزمة مستمرة منذ ما يزيد على ربع قرن. والآن، هل هنالك يا ترى من يستطيع أن يطمئننا على كل هؤلاء الضحايا، أم انه سيتم تجاهلهم، كما حصل مع ضحايا آخرين من قبل، بمجرد انتهاء الاستجواب؟