ما يفقد الحكم هيبته، هو ذاك الإعلام المضلل الذي لا همَّ له سوى إشاعة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد حتى يتم زعزعة استقراره لصرف الأنظار عن سراق المال العام!يستمر التصعيد وللأسف الشديد بقضية «التأبين» إلى الآن، والمصيبة تكمن في أن الحكومة هي أحد أطراف التصعيد بدلاً من أن تكون العكس. لسنا ضد القضاء واجراءاته، بل نحن ضد ممارسات وزارة الداخلية التي كانت تقول إنها مجرد منفذاً لأوامر النيابة ليتبين بعد ذلك أنها طرف في الموضوع لأنها أحد الأطراف التي رفعت قضايا تحولت بقدرة قادر إلى زعزعة الاستقرار وقلب نظام الحكم!
ما يحزننا أن يتم اعتقال شيخ دين جليل بطريقة استفزازية وكأنه يحمل برميل متفجرات معه! ما يحزننا أن تكون هناك تقارير حكومية سلبية (تعود إلى زمن الثمانينيات الأغبر) عن رجل وطني مثل الدكتور عبدالمحسن جمال الذي خدم الشعب الكويتي في مجلس الأمة وخلال الغزو الصدامي عبر الوفود التي شارك فيها للدعوة إلى عودة الشرعية، والذي عرضت عليه الوزارة مرتين ويتم استشارته في التشكيلات الحكومية!
وما يحزننا أن يتم اعتقال نائب سابق وأكاديمي مثل الدكتور ناصر صرخوه الحائز على جوائز عدة في مجال البحث العلمي بطريقة غير لائقة بتاتاً، ويتم اتهامهم وعضو البلدي الدكتور فاضل صفر بالأسطوانة المشروخة نفسها التي يروجها الإعلام المضلل من حين إلى آخر.
هؤلاء الذين مثلوا الشعب الكويتي كانوا ولازالوا مثالاً للإخلاص والمهنية ونظافة اليد. دخلوا المجلس وخرجوا منه بمستواهم المادي نفسه، (إن لم يكن أقل)، ولم تنتفخ جيوبهم من المال الحرام (مثل بعضهم) ولم يتم مكافأتهم بعقارات في أوروبا، و لم يساوموا يوماً بمواقفهم مقابل منفعة شخصية أو معاملات رخيصة على حساب مصالح الشعب الكويتي.
لهذه الأسباب، قامت قوى الفساد وسراق المال العام بما يملكونه من إعلام وأقلام مأجورة بشن حملتها المسعورة لمعاقبة هؤلاء على طهارتهم ونقائهم مثلما حورب الأنبياء «عليهم السلام» من قبل أقوامهم فقط لأنهم كانوا أطهاراً «وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون».
ولست أبالغ حين أقول إن ما حدث في الآونة الأخيرة مرتبط بالتحركات المشبوهة في المنطقة ككل. فاستغلال «التأبين» بهذه الطريقة المشبوهة، وما تبعه من تهديد سفارتنا في بيروت، إضافة إلى البلاغات الكاذبة في بلدنا، وما يجري في غزة من إرهاب، واقتراب البارجة الأميركية (كول) من الشواطئ اللبنانية، وقرع طبول الحرب ضد قوى الممانعة للمشروع الصهيوني في المنطقة، هذه الأمور كلها مرتبط بعضها ببعض وتهدف إلى اشغال كل بلد بمشاكله الخاصة المفتعلة حتى يسهل تنفيذ المخطط المرسوم لمصلحة إسرائيل.
أما عن مفهوم (هيبة الدولة) الذي بدأ يدندن له بعضهم فإن المسؤول عن فقدانها هي هذه الحكومة الفاشلة المبنية على خلطتها الترقيعية التي لم ترتق من اجل رفع السقف السياسي في البلد، والتي تخبطت في إدارة العديد من القضايا ابتداءً من إدارة الاستجوابات، إلى الرياضة، والكوادر، وزيادة الرواتب، وإزالة الدواوين، وغض النظر على التعديات على البحر...إلخ.
وما يفقد الحكم هيبته، هو ذاك الإعلام المضلل الذي لا همَّ له سوى إشاعة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد حتى يتم زعزعة استقراره لصرف الأنظار عن سراق المال العام! وهنا استذكر كلام النائب الفاضل محمد الصقر في خطبته الشهيرة ضد مقابلة علي الجراح حين قال إنه لو كنا في أي دولة أخرى لتمت إحالة هذه الأجهزة الإعلامية لأمن الدولة بسبب بعض «المانشيتات» التي تبثها.
إن القوى السياسية مطالبةٌ بوقفة جادة ضد حملة تصفية الشخصيات الوطنية لأن المستهدف هنا هو الديموقراطية، أما إذا استمر صمتهم فإنه سيأتي يوم يقولون فيه (أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض)!
*********
ألف تحية لـ«حزب الأمة»، والدكتور ساجد العبدلي، والأستاذ عبداللطيف الدعيج على مواقفهم الوطنية الشجاعة... وهذا ليس بغريب عليهم.