لم يبق إلا الاعتراف
لم يبق لنا إلا الاعتراف بالفشل، وهو بالضرورة اعتراف جماعي يقر فيه كل طرف بقدر فشله من دون ادعاء أو مكابرة، كل بقدره وبدرجة مسؤوليته، فالحكومة بالضرورة تتحمّل الوزر الأكبر، وبالتالي عليها جملة اعترافات مستحقة، ونواب مجلس الأمة عليهم الدرجة الثانية.
لا شك أن تواتر وتكرار الأزمات السياسية بالمعدل الذي تسير عليه الأمور في الكويت يتطلب التأمل والتفكير والتدبر أكثر مما يتطلب القطع والجزم والحسم. ويبدو أننا بحاجة إلى فهم ما يجري، فالفهم هو بداية الحل، فهل هي مؤامرة يدبرها «أعداء النظام الديموقراطي»؟ أو هل سببها يعود إلى ضعف هيكلي في الحكومة الرشيدة المتساقطة؟ أم أن الضعف في مجلس الأمة المتنافر؟ أم أن ذلك يعود إلى النصوص الدستورية التي لا تواكب الحقبة الراهنة؟ أم أن النظام الديموقراطي لا يجد في المجتمع حاضنة حقيقية فعلية تحميه وتجسد قوته؟ أم أن أسباب الأزمات المتكررة وبالوتيرة المتصاعدة هي من الأمور الطبيعية في المجتمعات الديموقراطية، وأن كل ما يحدث ليس إلا ضريبة عادية للصراع التقليدي والطبيعي في المجتمعات؟ أم أن كل ما يجري هو نتاج لكل تلك العوامل مجتمعة؟الشاهد في الأمر أنه بالإمكان تحمل خسائر كثيرة كالمال والأرواح والأبنية والأجهزة، إلا أن أهم ما نخسره في كل هذا الجدل والصخب الدائر هو الوقت، فخسارة الوقت من دون التفكير جدياً بالخروج من النفق هي الخسارة الأكبر والزمن الضائع لا يمكن تعويضه، واستمرار الزمن بتكريس قيم خربة فاشلة فاسدة يكرسها ويقويها ويجعلها مع الوقت مبادئ ومسَلَّمات، بل يقضي على أي مستقبل ممكن التعامل معه بجدية.أقول قولي هذا وقد أصبحت أكثر يقيناً بأننا قد فشلنا جميعاً في تحديد هوية الدولة وبنيتها ومرجعيتها بغض النظر عن الدستور الملقى جسداً ونصاً على قارعة الطريق يُداس بالأقدام ليلاً ويعزّز قولاً نهاراً. ومع تكدّس وتراكم الأزمات وتكرارها بصورة ممجوجة... وخلال حوارات مع العديد من أصحاب الرأي والفكر والسياسة وغيرهم من أولئك الذين لهم «عروق في الماي» والعالمين أو المدعين العلم ببواطن الأمور، اتضح أنه حتى أولئك «المعتَّقين» الذين يدَّعون العلم أصبحوا لا يعلمون شيئاً، وليسوا على يقين أو تصور بالخطوة القادمة، ماذا سيجري؟ وكيف سيتخذ القرار؟ ومن يملك القرار؟ بل ما القرار أصلاً؟! وهو جهل يعكس الحالة المهلهلة الركيكة التي نمر بها، وكنت قد عبرت عنها في مقالة سابقة بأنها «كشة ضايعة».وما دامت الحال كذلك... وهي كذلك للأسف، فإنه لم يبق لنا إلا الاعتراف بالفشل، وهو بالضرورة اعتراف جماعي يقر فيه كل طرف بقدر فشله من دون ادعاء أو مكابرة، كل بقدره وبدرجة مسؤوليته، فالحكومة بالضرورة تتحمل الوزر الأكبر، وبالتالي عليها جملة اعترافات مستحقة، ونواب مجلس الأمة عليهم الدرجة الثانية، والقوى السياسية وجمعيات النفع العام بما في ذلك الحركة الرياضية وعموم المجتمع.بلا اعتراف بالفشل لن يتحقق تقدم، ومع الإصرار بأن الأطراف كلها، هكذا كلها، على حق، فإننا إلى مهاوي الردى، وستظل الأزمات تأتينا جماعات... لقد آن الآوان للاعتراف رحمة بهذا الوطن الذي أصبح يكسر الخاطر.فقد يتصوّر البعض في تلك المطالبة بالاعتراف بالفشل أن فيها شيئاً من السذاجة، فمع إدراك الجميع من قمة الرأس إلى أخمص القدمين بالفشل المريع، إلا أن المتصدين للعمل العام يبدو أن لديهم ثقة بالذات تصل إلى درجة الغرور، والفارق بين الثقة بالنفس والغرور، هو كالفارق بين شيكين أحدهما برصيد والآخر بدون رصيد، ولدينا سجن ممتلئ بقضايا الشيكات بدون رصيد كدلالة رمزية على ما نقول.فلنعترف بالفشل حتى لا نقول بعدها كما قال سعد زغلول «غطيني ياصفيّة... مافيش فايدة».