ليس للأصول أو المذاهب أي علاقة في نوعية الخدمات العامة التي نحصل عليها وغير صحيح البتة الحديث عن أن الشعب الكويتي مقسم إلى قبائل وطوائف وعائلات متنافرة يفصل بينها جدران إسمنتية، وهذا الطرح العنصري والفئوي والطائفي المقيت يستخدم للتكسب الانتخابي ليس إلا.لم يجد بعض المرشحين أي قضية يتحدثون عنها في حملتهم الانتخابية غير تذكية النعرات القبلية والطائفية والفئوية والمناطقية من أجل كسب عدة أصوات غير مبالين بما سيتركونه من شرخ في لُحمة المجتمع الكويتي، فمرشح يطرح نفسه كمدافع عن أمجاد القبائل من خلال حديثه الفئوي، وآخر يتعهد بأنه سيعيد للطائفة قوتها من خلال المطالبة بترشيح عدد من أبنائها لمناصب قيادية في الدولة، ومرشح ثالث ينضح حديثه بنزعات عنصرية ومناطقية، وكأن الصراع الاجتماعي السياسي في الكويت قد تحول إلى صراع بين القبائل والطوائف والعوائل.
لا شك أن هذا الطرح سيزيد من حدة التقسيم الفئوي والطائفي في المجتمع، ويوجد جدران عازلة وهمية بين المكونات الاجتماعية للشعب الكويتي، كما أنه سيعطي انطباعاً خاطئاً للمراقبين الخارجيين بأن الصراع في الكويت هو صراع عرقي وفئوي وطائفي، وليس صراعا اجتماعيا وسياسيا بين فئات وطبقات اجتماعية تتداخل فيها القبائل والطوائف والعائلات. والأخطر من ذلك أنه يعود بنا إلى عصور سحيقة ومرحلة ما قبل نشوء الدولة الحديثة! كما أنه لا يمت للواقع بصلة، فما يواجهه المواطنون ذوو الأصول القبلية من بعض الظلم الاجتماعي ومن رداءة الخدمات العامة المقدمة لهم مقارنة ببعض المناطق السكنية «الداخلية» هو نفسه ما يتعرض له أيضا أغلبية أبناء الطبقتين الوسطى والمحدودة الدخل في المجتمع من سنة وشيعة وأصول قبلية وغير قبلية الذين يشاركونهم السكن في نفس المنطقة، وينتمون إلى نفس الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. فإذا كانت المنطقة السكنية التي يقطنها المواطنون من ذوي الأصول القبلية هي نفسها التي يسكنها المواطنون الكويتيون المنحدرون من باقي المكونات الاجتماعية للمجتمع الكويتي فإن الخدمات العامة ستكون هي نفسها للجميع، فلن تكون خدمة ما للقبيلة الفلانية وأخرى للقبلية العلانية أو خدمات خاصة لغير المنحدرين من أصول قبلية على حساب من هم من أصول قبلية!!
من ناحية أخرى فإنهم يخدعوننا عندما يتحدثون عما يسمونه «الحضر» فهذا المصطلح ملتبس وغير دقيق ولا يعبر بشكل علمي صحيح عن أي فئة اجتماعية متماسكة، فإذا كان يقصد به المواطنون غير المنحدرين من أصول قبلية فإن هؤلاء متعددو الأصول والأعراق والمذاهب وما يجمعهم أكثر مما يوحدهم، بل إن عددا كبيرا منهم يعتبرون أقرب في طبيعة ظروفهم المعيشية للمواطنين من ذوي الأصول القبلية.
إذن القضية لا تتعلق بالأصول أو الأعراق أو المذاهب، بل تتعلق بالفئة أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، فهناك طبقة وسطى عريضة في المجتمع الكويتي تعاني نفس المعاناة بغض النظر عن أصول أو أعراق أو مذاهب أو أديان المنتمين إليها. كما يعاني كل المنتمين إلى فئة الدخل المحدود نفس الظروف المعيشية والحياتية الصعبة رغم اختلاف أصولهم ومذاهبهم ومناطق سكنهم. والأمر نفسه ينطبق على الفئة الرأسمالية التي تدافع عن مصالحها الاقتصادية ولا تدافع عن أصول أعضائها أو منابعهم العرقية المختلفة.
وهكذا تأكد عزيزي القارئ، أن أحد جيرانك على الأقل لا يمت لك بصلة قرابة وقد ينتمي إلى مذهب ديني غير مذهبك ولكن رغم ذلك فإن أولاده يذهبون إلى نفس المدارس التي يدرس بها أبناؤك، كما يقوم بشراء احتياجاته المنزلية من نفس جمعيتك التعاونية ويتلقى العلاج في نفس المستوصف أو المستشفى الذي تُعالج فيه ويستخدم نفس الخدمات التي تستخدمها، وينتظر أولاده كما هي حال أولادك، أشهراً للحصول على الوظيفة ويذهب أبناؤه إلى نفس الجامعة التي يتلقى أبناؤك العلم فيها... وهكذا.
إذن ليس للأصول أو المذاهب أي علاقة في نوعية الخدمات العامة التي نحصل عليها وغير صحيح البتة الحديث عن أن الشعب الكويتي مقسم إلى قبائل وطوائف وعائلات متنافرة يفصل بينها جدران إسمنتية، وهذا الطرح العنصري والفئوي والطائفي المقيت يستخدم للتكسب الانتخابي ليس إلا. وإذا كان هناك بعض الظلم الاجتماعي على بعض الفئات الاجتماعية فإن لذلك أسبابا اقتصادية وسياسية سنتطرق لها في مقال آخر.
لذا فالمطلوب من كل المرشحين الابتعاد عن عملية التكسب السياسي القائمة على تذكية النعرات العرقية (بما فيها بين القبائل وداخل كل قبيلة) والطائفية والمناطقية والعمل على الدعوة لتعزيز الوحدة الوطنية، والتنافس حول البرامج الوطنية التي تساعد على حل مشاكلنا التنموية وتسرع في عملية بناء الدولة المدنية الديموقراطية الدستورية الحديثة التي تتسع إلى جميع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات.