Ad

لم يدرك «الإخوان المسلمون» أبعاد التغيـرات الإقليمية والكونية، التي ترتبت على انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وصراع المعسكرات، ولذلك، ولأنه لم تعد هناك أي ضرورة للتحالف السابق القديم، فقد بدأ التباعد وبدأ التشاحن بينهم وبين الدولة الأردنية كدولة.

أكَّد انسحاب «الإخوان المسلمين» من الانتخابات البلدية الأخيرة في الأردن، بعد بدء عملية الاقتراع بنحو خمس ساعات، على أن هذا التنظيم، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى نهايات عقد العشرينيات من القرن الماضي، بات يعاني مأزقاً حقيقياً، إذْ إن المعطيات التاريخية من حوله، إن في هذه المنطقة وإن في العالم بأسره، قد تغيرت بينما هو لم يغيـِّر، ولم يتغير، ولم يقم بإجراء أي مراجعة نقدية فعلية لمسيرته السياسية.

حتى وإن كان «الإخوان المسلمون» الذين يطلقون على أنفسهم اسم «الحـركة الإسلامية»، وهذا يشكل إجحافاً بحق الآخرين، يرفضون ذلك، فإن تنظيمهم الذي كان أسسه حسن البنا لغير هذا الغرض، قد أُعتبر أنه أحد إفرازات الحرب الباردة بين الشرق والغرب التي اشتد أوارها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي أفرزت أيضاً معظم الأحزاب اليسارية والقومية العربية.

خلال هذه الفترة، أي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة في بدايات تسعينيات القرن الماضي، كان انحياز «الإخوان المسلمين» للمعسكر الغربي بزعامة وقيادة الولايات المتحدة واضحاً وعلى رؤوس الأشهاد، وكان تحالفهم مع الأنظمة العربية «المعتدلة» التي كانت تخشى المد الشيوعي وظاهرة الانقلابات العسكرية كاملاً ومتكاملاً ومتيناً. والحقيقة أنه جرى توظيفهم بجدارة ضد الأحزاب القومية واليسارية وضد ما كان يسمى حركة التحرر العربي في الوطن العربي كله.

في هذه الفترة كانت الانحيازات واضحة وضوح الشمس، فالمعسكر الغربي (الرأسمالي والإمبريالي) يقابله المعسكر الشرقي ( الاشتراكي والتحرري)، وكانت هناك جبهة المحافظين المنحازة للمعسكر الأول التي كان الإخوان المسلمون يصطفون من خلالها إلى جانب الأنظمة العربية المعتدلة، التي كان يصفها اليساريون والقوميون (التقدميون) بأنها رجعية، وكانت هناك جبهة القوميين والتقدميين التي كان القوميون واليساريون يصطفون من خلالها إلى جانب أنظمة الانقلابات العسكرية.

وهكذا وفي إطار هذا الانقسام الشديد، بين «الرجعيين»! و«التقدميين»! الذي كانت تشهده المنطقة العربية، فقد احتضنت الدولة الأردنية، التي احتدم الصراع بينها وبين الأحزاب القومية واليسارية ووصل ذروته في منتصف خمسينيات القرن الماضي، الإخوان المسلمين وتحالفت معهم وأعطتهم كل شيء وأطلقت أيديهم في المؤسسات كلها، وبخاصة وزارة التربية والتعليم، منذ العام 1957 وحتى بدايات تسعينيات القرن الماضي، حيث انهار الاتحاد السوفييتي وانتهت الحرب الباردة وانخرط الأردن في العملية السلمية مع إسرائيل من أعرض الأبواب.

لم يدرك «الإخوان المسلمون» أبعاد التغيـرات الإقليمية والكونية، التي ترتبت على انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وصراع المعسكرات، ولذلك، ولأنه لم تعد هناك أي ضرورة للتحالف السابق القديم، فقد بدأ التباعد وبدأ التشاحن بينهم وبين الدولة الأردنية كدولة. ولقد تصاعدت المنغصات المتبادلة بين الطرفين الى أن وصلت الأمـــور إلى ما وصلت إليه وانسحب «الإخوان» من الانتخابات البلدية الأخيرة بعد نحو خمس ساعات من بدئها، وكانوا وفي الاتجاه ذاته قد قاطعوا الانتخابات التشريعية في العام 1997 ثم مالبثوا أن عادوا إليها في العام 2003 .

لم يستطع «الإخوان المسلمون» تطوير أنفسهم لا تنظيمياً ولا سياسياً ليتمكنوا من مسايرة تطورات ما بعد انتهاء الحرب الباردة. ولذلك... ولأنهم بقوا يتشبثون بمواقعهم السابقة وبقوا بالنسبة للأردن يتمسكون بصيغة «الطفل المدلل»، الذي يحق له مالا يحق لغيره، فقد تصاعد الصدام بينهم وجبهة الاعتدال السابقة التي كانت توصف من قبل اليساريين و«التقدميين» بأنها رجعية ليس في الأردن فحسب، وإنما في معظم الدول العربية (المحافظة). وهنا، فإن ما زاد الطين بلّة، كما يقال، أن هؤلاء ومــن قبيل التشبث بالشعبية التي أخذت تهرب منهم لم يجدوا بُدّاً من تأييد صدام حسين ومؤازرته واحتضان الإرهاب «الإسلاموي»! بكل أشكاله وألوانه بما في ذلك «قاعدة» بن لادن والظواهري... والاقتراب من إيران ومن حلفها المعروف أكثر من اللزوم وعلى حساب تحالفاتهم وصداقاتهم القديمة!

 

كاتب وسياسي أردني