السيرة الذاتية لطائر الصحراء - 20
المحيلان أيضاً قلت في الحلقة السابقة إنني التقيت الفنان المبدع عبدالله المحيلان لأول مرة في جريدة السياسة، عندما جاء ليسلم مدير التحرير مجموعة من لوحاته الفوتوغرافية التي طوّع بها عدسة الكاميرا لتغدو كعين السمكة التي تدور من الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى الشمال لتلتقط جزئية صغيرة من المشهد قد تعبّر عن شيء آخر يراه الفنان ليسقطه على أي رمز يراه في الحياة ويعطيه أبعاداً جديدة لا يمكن أن يلّم بها إلا فنان مبدع يرى ما لا يراه الآخرون - ولكي لا يخلط القارئ بين عدسة المحيلان المتراقصة، التي شبهناها بعين السمكة والكاميرا التي تسمى fish eye التي (درجت) على الصحافة المحلية في ذلك الوقت، والتي كانت تأخذ المشهد من أقصى اليمين أقصى اليسار بمشهد «بانورامي» أقول إن عدسة المحيلان كانت تعتمد على اللعب «بالإضاءة والفلتر معاً وإحماض التظهير» لتبدو لقطته غريبة ومتعددة الأبعاد ويشوبها أحياناً بعض الغموض الشفيف لكن مدرسته الفنية تستلهم دوماً البيئة الكويتية على وجه التحديد أو اقحام البيئة في مشهده الفوتوغرافي على عكس ما كان يفعل زميل آخر يمتهن التصوير الفوتوغرافي «المقروء» وهو يضاهي المحيلان - إبداعاً - ولربما يُعتبر أطول وأقدم تجربة منه الا وهو الصديق الفلسطيني صالح عباس الذي كان يعمل في جريدة السياسة أيضاً - وذلك لأن موضوع صالح الفوتوغرافي لا بد أن يرتبط بالجنس، إذ ان لقطته مهما كان مشهدها الحقيقي فلا بد أن تترك في ذهن القارئ انطباعاً جنسياً كثيراً ما أوقع «السياسة» في «مطبات» رقابية لا ينتبه إليها إلا من يريد اصطياد الزلات الصحافية آنذاك، ومما زاد الطين بلة أن يلتقي صالح عباس بمحرر مبدع من نفس الجريدة هو الزميل سميح سمارة، الذي كان أسلوبه يميل إلى الرمزية الشاعرية حتى في عمل التحقيقات والاستطلاعات الصحافية وكان يُفسر عمله الصحافي المقترن بكاميرا عباس أقسى التفاسير وأكثرها فداحة، مما دعا رابطة الأدباء آنذاك الى أن تشن حملة شعواء على الاثنين (عباس وسمارة) بتهمة تدمير أخلاق النشء، ولم تنته المشكلة إلا بعد مفاوضات طويلة قادتها الزميلة الكبيرة (جلو دلال) - أم الخير - مع الأدباء التقليديين الكبار أمثال المرحوم عبدالرزاق البصير والمرحوم عبدالله سنان وأحمد السقاف أمد الله في عمره. ما علينا من ذلك كله المهم أنني في تلك الليلة، التي التقيت فيها الفنان عبدالله المحيلان، قد دعاني إلى مشاهدة فيلم سينمائي من تصويره وإخراجه يتحدث عن الثورة الأريترية التي كانت تدعو إلى الاستقلال عن الحبشة وقد عانى المحيلان كثيراً وهو يصور الفيلم في جبال وأدغال ومستنقعات أريتريا حتى أصيب بداء الملاريا أثناء العمل ولم يتوقف حتى أنجز فيلمه الشهير (أرتيريا وطني) دعماً للثورة الأريترية التي كانت «تدّعي» العروبة، ولعلي وأنا أشاهد بعض زعماء أريتريا السياسيين اليوم وذلك بعد حصولها على الاستقلال استعيد وجوه بعض الطلبة الثوريين الذين كانوا يدرسون في الكويت في منتصف السبعينيات، وهم يدينون بالفضل الكبير للفنان الكويتي المبدع عبد الله المحيلان الذي نقل قضيتهم إلى العالم من خلال ذلك الفيلم الرائع وآسَف كثيراً لتنكرهم «لعروبتهم» اليوم (!!).