Ad

استطاعت حركة حقوق الإنسان العالمية عبر عقود من الزمن، حتى يومنا هذا، تحييد أقدم عقوبة عرفتها القواعد القانونية الجنائية، وأقسى العقوبات قاطبة، وهي عقوبة الإعدام، فمنذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، توالت الجهود عبر النشاط الميداني، والجهد القانوني والتشريعي الذي تقوده الأمم المتحدة ومنظمات عالمية فاعلة، وأسفرت عما يمكن أن نسميه اليوم بتآكل عقوبة الإعدام.

بعيدا عن الجدل السقيم الذي يربط مسألة الإعدام بالدين، وميراث أدبيات «المؤيد والمعارض» وحجج كل منهما، فإن الحركة على الأرض تجاوزت هذا الإطار وأتت بحقائق دامغة أضعفت الرأي القائل بأن هذه العقوبة تعد رادعا، ففي نوفمبر عام 2007 صوتت 99 دولة في الأمم المتحدة على قرار لوقف تنفيذ عمليات الاعدام، وصولا إلى الإلغاء التام لعقوبة الاعدام، مقابل 52 دولة رفضت الإلغاء، وكانت هذه المرة الاولى التي تحدث المجتمع الدولي فيها بصوت عال ٍمناهض لهذه العقوبة.

لقد أصبحت الدعوات التي تنادي بالحوار الوطني لغرض إعادة النظر في التشريعات المحلية التي تنص على عقوبة الاعدام، أقوى بكثير من المنادين بتطبيقها أو الابقاء عليها على الأقل لأسباب دينية أو حضارية أو ثقافية، ويرجع الفضل في ذلك إلى عشرات الشبكات في آسيا وأوروبا وافريقيا وأميركا، وحتى المنطقة العربية، التي شكلت فيما بينها ما يشبه «الكونسورتيوم» المناهض للاعدام.

المشهد الجديد للعقوبة

حتى نهاية عام 2007، كان المشهد يرسم الحقائق الدولية الآتية:

* ألغت 133 دولة عقوبة الاعدام في القانون والممارسة.

* أبقت 64 دولة على عقوبة الاعدام ولاتزال تستخدمها، وغالبا ما تعاقب بها الاشخاص المدانين بجرائم القتل.

* تقلصت حالات الاعدام في دولة بعينها، إذ أن %91 من كل عمليات الاعدام التي وردت إلى منظمة العفو الدولية في عام 2006، كانت محصورة في كل من الصين وايران وباكستان والعراق والسودان وأميركا.

* في عام 1977 كان عدد البلدان التي ألغت عقوبة الاعدام على جميع الجرائم 16 بلدا فقط، وبعد مرور 30 سنة ارتفع العدد إلى 90 بلدا، وهو ما يعزز فكرة تآكل العقوبة التي أكدنا عليها في البداية.

* الدول التي الغت العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم 90 بلدا.

* الدول التي ألغت العقوبة لجرائم عادية فقط 11 بلدا.

* الدول التي ألغت العقوبة عمليا 32 بلدا.

* عدد الدول التي أبقت على العقوبة 64 بلدا فقط.

* آخر دولة ألغت عقوبة الاعدام في العام الماضي كانت رواندا، حيث تم ذلك في يوليو، ومنذ عام 1977 كان معدل الزيادة للدول التي دخلت «نادي الالغاء» يصل إلى 3 دول سنويا.

جهود الأمم المتحدة

لقد نشطت الأمم المتحدة في مكافحة الاعدام خارج نطاق القضاء، أو ما يسمى بالاعدام من دون محاكمة، حيث تأسس منصب مقرر الامم المتحدة الخاص المعني بهذه العقوبة عام 1982، وينطلق عمل هذا المقرر من الاصل الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهو الحق في الحياة، ويأتي هذا التفاعل نتيجة تاريخ طويل وتجارب مريرة من الاعتداء على الاطفال والنساء والاقليات القومية أو العرقية أو الدينية او اللغوية، ولطالما نادى المقرر الخاص بأخذ الكثير من المحذورات في عين الاعتبار في هذا الشأن، بدءا باستيفاء شروط المحاكمة العادلة واولها الاستقلال والكفاءة ونزاهة القضاء، اضافة إلى شروط مهمة أخرى، كتوفير المحامين في جميع درجات التقاضي، وضمان حق المتهم في التماس العفو او التخفيف من العقوبة.

وقبل عام 1982 - سنة تأسيس منصب المقرر الخاص - جاءت الكثير من التشريعات الدولية التي انخرطت فيها عشرات الدول واصبحت جزءا من قانونها الوطني، بدءا من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية «فقرة 2 من المادة 6»، والبروتوكول الاختياري الملحق به الذي يهدف إلى الغاء عقوبة الاعدام، والبروتوكول رقم «6» للاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية، والفقرتان 2 و3 من المادة 4 من بروتوكول الغاء عقوبة الاعدام الملحق بالاتفاقية الاولمبية لحقوق الانسان، وقراري لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة الصادرين في عامي 1998 و1999 بأرقام 8 و61، التي اعربت فيهما بأن الغاء هذه العقوبة يساهم في تعزيز كرامة الانسان، وقد توالت المواثيق الاقليمية «الميثاق الافريقي والاتفاقية الاوروبية»، لدعم وتعزيز الغاء هذه العقوبة في ثمانينيات القرن الماضي.

الإعدام في البلدان العربية

في الوطن العربي، ورغم وجود هذه العقوبة في تشريعات كل دوله، إلا أن رياح التغيير بدأت تدب رغم الحواجز الثقافية والدينية، فهناك محاولات من بعض الدول على مستوى الحكومات للنظر في امكان الغاء العقوبة «الجزائر اخيرا»، أو الحد من هذه العقوبة عبر تقليل نطاقها في القوانين الجنائية، وتعمل الشبكات العربية الاهلية في كل من اليمن والاردن والمغرب وتونس ومصر ولبنان ودول أخرى، على دراسة تشريعات بلدانها في محاولة لتقييد استخدام هذه العقوبة وحصرها في جرائم معينة، وفي الواقع العملي فإن الدول العربية التي أوقفت عقوبة الاعدام حتى الآن هي الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس، ويجري الحوار ايضا في محاولة لايجاد ضمانات للعقوبة ذاتها تبعد الضحايا عن تعسف السلطة أو الانظمة القضائية.

ففي دراسة للمنظمة العربية للاصلاح الجنائي تناقش تقريرا بشأن عقوبة الاعدام في الوطن العربي شملت عدد من الدول العربية وأجريت العام الماضي، توصلت فيها إلى النتائج التالية:

- ينص القانون الأردني على 25 حالة يعاقب عليها القانون بالاعدام.

- ينص القانون اللبناني على عقوبة الاعدام لجرائم الاعتداء على حق الحياة والفتنة والارهاب والاستيلاء على الطائرة اثناء طيرانها، الفرار من العدو، الخيانة والمؤامرة العسكرية، جرائم السلب والاتلاف... وغيرها.

- يتضمن التشريع البحريني عقوبة الاعدام للكثير من الجرائم، كما هو موجود في قانون المخدرات وقانون الارهاب، ومنذ عام 1977 حتى عام 2007 اصدرت المحاكم البحرينية العادية والاستئنافية (امن الدولة) ثمانية أحكام اعدام لم ينفذ منها شيء.

- تضمن التشريع السوري عقوبة الاعدام في عدد من القضايا، كالانتساب إلى تنظيم الاخوان المسلمين، ومناهضة الثورة وحماية النظام الاشتراكي، وأمن حزب البعث العربي الاشتراكي والاعتداء بالقتل وجرائم أمن الدولة.

- تضمن التشريع المغربي عددا من الجرائم التي يعاقب عليها بالاعدام، كقانون الارهاب والعقوبات والجرائم الماسة بصحة الأمة والاعتداء بالعنف على الاشخاص والاعتداء على الملك والاسرة المالكة، وجرائم أمن الدولة، وتصل حالات المعاقبة بالاعدام بحسب قوانين مغربية إلى 600 حالة.

- تتضمن التشريعات العراقية نطاقا واسعا يجري من خلاله تطبيق عقوبة الاعدام، مثل قانون الارهاب، وقانون المخدرات، وتظهر التطبيقات بشكل واسع في محكمة التمييز، على عكس المحاكم الجزائية الاولية، وهناك 42 مادة قانونية يحكم بمقتضاها القضاة بالاعدام.

- تضمن القانون المصري عقوبة الاعدام في اربعة قوانين رئيسية هي: قانون العقوبات، قانون الأحكام العسكرية، قانون مكافحة المخدرات، قانون الاسلحة والذخائر، وتتضمن عقوبة الاعدام «43» مادة من التشريعات المصرية.

- تتضمن عقوبة الاعدام كلا من الحالات التالية في أحكام الشريعة الاسلامية التي تحكم المملكة العربية السعودية: الحدود والقصاص، التغرير، الردة عن الدين، التجسس، الزاني المحصن، الحرابة، واللواط، تارك الصلاة.

- يتضمن التشريع اليمني عقوبة الاعدام في قانون الجرائم والعقوبات وقانون الاجراءات الجزائية، ويتضمن بالاضافة الى ذلك القتل، والحريق والتفجير وتعريض وسائل النقل للخطر واحداث الغرق والتلوث بالمواد السامة اذا نجم عنها موت انسان، والجرائم المرتكبة ضد الافراد العاديين والعسكريين.

ويتأثر التشريع اليمني بالشريعة الاسلامية بشكل واضح، حيث يقرر عقوبة الرجم حتى الموت في حالات زنى المحصن، واللواط، والردة، والحرابة والبغي، ويتضمن قانون المخدرات وقانون الاختطاف عقوبة الاعدام.

هذا باختصار ملخص الدراسة التي اشرنا اليها، وبالعودة الى تأثير موجة الغاء عقوبة الاعدام العالمية على دول الوطن العربي، فإن ثمة حقيقة يجب ان ندركها ونحن نبحث مسألة هذا التأثير، فالدول العربية تتأثر تشريعيا بإرث ديني نابع من مقاصد الشريعة الاسلامية، ما يتوجب على الناشطين في مجال إلغاء هذه العقوبة سلك طرق وأدوات مختلفة عن تلك التي تستخدم في بلدان أخرى ذات ثقافات اقل التزاما بالإرث الديني، ويتطلب ذلك العمل على تقليص رقعة عقوبة الاعدام للجرائم المنتشرة في الكثير من قوانين البلد الواحد، بدلاً من رفع شعار «الغاء العقوبة» بشكله العام والشامل.

ومن المهم جداً، حتى يكون التأثير ايجابيا، ان يتم الحديث في «التفاصيل» التي تقود مع الزمن الى حال افضل مما هو عليه التشريع في الدول العربية، اذ ان هناك جرائم يمكن ان يجتمع عليها الرأي العام دون غيرها، وهي التي يتطلب الأمر حشد الاجماع حولها، وأولها الجرائم ذات الطابع السياسي او الجرائم المتعلقة بالفكر والعقيدة وابداء الرأي، اضافة الى بعض الجرائم الاجتماعية.

ومن المهم ايضا التركيز على جانب الصفح والعفو وفكرة (الديّة) التي جاء بها التشريع الاسلامي، وترويجها وجعلها ثقافة عامة بدلاً من معارضة عقوبة الاعدام والاصطدام بشكل مباشر مع أفكار لها صلة بنصوص قرآنية، على الرغم من اختلاف التفسيرات بشأنها.