Ad

تحررت الكويت، لكنها توقفت عن ممارسة «اختراقاتها» على طريقتها الفريدة، وباتت ديموقراطيتها في امتحان جدوى حقيقي؛ إذ لم تخفف الاحتقانات الاجتماعية، ولم تدر تضارب المصالح وتبقيه تحت مستويات الصراع، كما لم تنقل البلد نقلات نوعية مقارنة بالمحيط الإقليمي اليابس ذي الحظوظ القليلة من الديموقراطية والمشاركة.

لطالما كانت الكويت رقماً صعباً بين شقيقاتها الخليجيات ومسألة عصية على الفهم والوضوح؛ فالبنية الاجتماعية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست تقريباً متشابهة، وبشكل أو بآخر فالتاريخ السياسي لها متجانس، كما أن الأوضاع الاقتصادية متقاربة، لكن هذا لم يحل يوماً دون «اختراقات» كويتية صُنفت على أنها «عجيبة» وغير تقليدية على الإطلاق من قبل الجيران.

لا شك أن الصيغة العرفية النافذة بين الأسرة الحاكمة والشعب الكويتي لها أثر كبير في تلك الاختراقات، كما أن تطور التعليم، وحركة التجارة النشطة، بما خلقته من طبقة من الارستقراطية التجارية ذات نفوذ وطموح، فضلاً عن انفتاح فكري وثقافي مبكر نسبياً كلها عوامل ساعدت على إبداع مناخ مغاير تماماً لما هو حاصل في دول الخليج الأخرى.

الكويت أيضاً أثرت في محيطها الإقليمي الأشمل، ولعبت أدواراً إيجابية، بذلت فيها الكثير، ربما بأكثر من طاقتها أحياناً، كما ظلت دوماً دولة معتبرة رغم صغرها، ومحترمة رغم حداثة عهدها، وذات قدر من تأثير رغم محدودية كتلتها الحيوية.

وجاء الغزو العراقي للكويت ليصيب الدولة بصدمة أكبر من أي احتمال، ويزعزع يقينها في ثوابت ظلت راسخة لعقود، ويطرح التساؤلات عن قدرة الإنسان والمؤسسة في هذا البلد على الخروج من مأزق بحجم امتحان الوجود نفسه.

لقد تحررت الكويت، لكنها توقفت عن ممارسة «اختراقاتها» على طريقتها الفريدة، وباتت ديموقراطيتها في امتحان جدوى حقيقي؛ إذ لم تخفف الاحتقانات الاجتماعية، ولم تدر تضارب المصالح وتبقيه تحت مستويات الصراع، كما لم تنقل البلد نقلات نوعية مقارنة بالمحيط الإقليمي اليابس ذي الحظوظ القليلة من الديموقراطية والمشاركة.

ومع التغيرات المتسارعة في البيئتين السياسيتين الإقليمية والدولية، كان الجيران يمضون بخطوات بطيئة ومحسوبة في الطريق الذي كانت الكويت خطت فيه سابقاً وخبرت معالمه ودروبه.

وبعدما كان الحديث عن الانتخابات نوعاً من «التهريج» في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، والكلام عن إعطاء المرأة حقوقاً انتخابية شيئاً من «التجديف» في دول أخرى، سار معظم دول المجلس خطوات متفاوتة ومحسوبة على الصعيد ذاته؛ كل حسب قدرته ووفق منظومة قيمه الاجتماعية ومقدار الضغوط الممارسة عليه.

ورغم أن معظم الدول الخليجية التي خطت في طريق «التحديث السياسي» أو قررت المضي قدماً في سياسات «تمكين المرأة» لم تحقق أي نقلة نوعية في هذا المسار، فإن تلك الدول بدت أكثر اتساقاً مع أوضاعها السياسية والاجتماعية وأقل تنافراً وضوضاء مقارنة بما يخلفه المسرح السياسي المشتعل دائماً بالكويت.

ولا شك أن الكثيرين منا سمعوا كلاماً صريحاً في الجلسات الخاصة وتذرعاً مبطناً في العلن من أقطاب خليجية كثيرة بأن السير في طريق الديموقراطية على الطريقة الغربية ومن خلال الانتخابات تحديداً يحتاج عشرات السنين قبل أن يصبح حلاً سديداً يمكن تنفيذه في المجتمعات الخليجية.

ولا يفوت هؤلاء أبداً الغمز من قناة التجربة الديموقراطية في الكويت باعتبارها «وجع راس من دون أساس أو نتاج واضح»، فضلاً عن كونها «ضجيجاً وصراخاً شديداً من دون طحين تقريباً».

ومن ذلك أن مسؤولين خليجيين كباراً لم يكونوا أبداً قادرين على فهم إمكانية توجيه انتقادات حادة لشيخ من شيوخ الأسرة الحاكمة الكبار، أو تعطيل مشروع كبير، أو إعاقة قرار سيادي أو رغبة أميرية واضحة تحت ضغط معارضة برلمانية أو رفض شعبي واسع.

وعلى أي حال، فبين دول الخليج ذات الرفاه الاقتصادي والحقوق الاجتماعية والسياسية المكبوتة، وبين الجمهوريات العربية التي سمحت فقط بحقوق النقد والكلام سالبة أي حق آخر، والعسكرتاريات بقبضاتها الدموية المقيتة، كانت الكويت بحق «جوهرة الخليج» أو هكذا كان يجب أن تكون.

لكن ما حصل أن الكويت ظلت تراوح مكانها فيما الآخرون يواصلون تقدمهم البطيء المحسوب؛ وباعتبار قصة الأرنب والسلحفاة، فلا عجب أن يأتي يوم فإذا بالكويت في آخر صف طويل بين شقيقاتها العربيات والخليجيات على صعيد الممارسة الديموقراطية المسؤولة والجادة والإيجابية والمنتجة.

اليوم يمكن لأي ناقد متابع عن كثب للمشهد السياسي الكويتي أن يعجب حقاً؛ إذ كيف تتعطل المشروعات، وينصرف الجسم السياسي والإعلامي في البلد كله لشهور وسنين إلى مساجلات ومجادلات وصراعات خشنة لا مبرر لها سوى تضييع الوقت وتحقيق المصالح الضيقة على حساب كل كويتي وكويتية اليوم وغداً وبعد غد؟

وفيما ينتظر الجميع انتخابات السابع عشر من مايو، لا يبدو أن أحداً يأمل خيراً على صعيد اجتراح أسلوب سياسي أكثر رشداً وإيجابية للتعامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل لا يبدو أن أحداً يريد ذلك في الأصل.

على ديموقراطية الكويت أن تثبت أولاً جدارتها بالبقاء واستحقاقها للتطور، وبعدها عليها أن تبرهن أنها يمكن أن تقود البلد إلى المكانة التي يجدر به أن يحتلها في نفوس مواطنيه وفي الإقليم والعالم.

* كاتب مصري