إذا ما عرفنا أن إقرار مشروع المرسوم بقانون غير الدستوري في شأن تنظيم الاجتماعات والمواكب العامة قد ترافق مع وضع قيود جديدة على الإعلام المرئي والمسموع ومع تشديد عقوبة التعدي على رجال الأمن، فإن السؤال المقلق الذي يتبادر للذهن هو: ما الهدف يا ترى وفي هذا الوقت من كل هذه القوانين المكبلة للحريات وغير الدستورية؟الحديث عن أن هذا البلد بلد ديموقراطي وذاك غير ديموقراطي لا يتعلق بمقدار ما يرفعه كل منهما من شعارات ديموقراطية إنما بمقدار ما يطبقه كل منهما من مبادئ وقوانين ديموقراطية تحفظ الحقوق المدنية للأفراد. وكما سبق أن ذكرنا فإن الديموقراطية تعتبر نظاما متكاملا لا يمكن تجزئته أو استخدامه كشعار زائف وفارغ المحتوى في وسائل الإعلام.
ويأتي حق الأفراد والجماعات في التجمع والتظاهر السلمي كأحد الحقوق الديموقراطية التي كفلها الدستور. ويقتصر دور رجال الأمن على تنظيمها ومواكبتها، فقد نصت المادة 44 منه أن «للأفراد حق الاجتماع من دون حاجة لإذن أو إخطار مسبق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة،
والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب».
وللأسف الشديد فقد أتى مشروع المرسوم بقانون في شأن تنظيم الاجتماعات والمواكب العامة الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيرا ليناقض هذه النصوص الدستورية الواضحة. لا بل أن هذا المشروع هو نسخة أكثر تشددا من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 الذي حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته في العام 2006. حيث أضاف مشروع مرسوم الضرورة الجديد عقوبات مشددة لم ترد في القانون الساقط دستوريا، وشمل أيضا الديوانيات وسمح بتدخل رجال الأمن في مراقبة النقاشات التي تجري داخلها لتحديد مدى «قانونيتها»! مما يعتبر تجسسا لم تتعود عليه الكويت، فلم يسبق في تاريخ الكويت أن قامت قوى المباحث بمراقبة ما يتم تداوله من أحاديث ونقاشات داخل الدواوين.
إن مشروع المرسوم الذي أقرته الحكومة يعتبر باطلا من الناحية الدستورية حسب ما أكدته المحكمة الدستورية في قرارها التاريخي، لذا فإن الحكومة الآن تعطل حكما للمحكمة الدستورية مما يعتبر تنقيحا للدستور! والسؤال المحير هو لماذا تأتي الحكومة بهذا المشروع غير الدستوري وفي هذا الوقت بالذات، حيث بداية الحملات الانتخابية لمرشحي مجلس الأمة؟ ألا تعلم الحكومة أن أي طعن في هذا القانون سيكون مصيره الحكم بعدم دستوريته؟ وهل الهدف التدخل بشكل غير دستوري بمجريات الحملات الانتخابية لأن الحكم سيصدر بعد انتهاء الانتخابات؟ ثم ألا يعتبر هذا التدخل الحكومي في سير العملية الانتخابية مدعاة للشك في نزاهتها؟ علاوة على ذلك فإن مشروع المرسوم المقر لا يعتبر من مراسيم الضرورة التي قيدتها المادة 71 من الدستور بتوافر شروط معينة لا تكون مخالفة للدستور.
ومن ناحية أخرى فإننا إذا ما عرفنا أن إقرار مشروع المرسوم بقانون غير الدستوري في شأن تنظيم الاجتماعات والمواكب العامة قد ترافق مع وضع قيود جديدة على الإعلام المرئي والمسموع ومع تشديد عقوبة التعدي على رجال الأمن، فإن السؤال المقلق الذي يتبادر للذهن هو ما الهدف يا ترى وفي هذا الوقت من كل هذه القوانين المكبلة للحريات وغير الدستورية؟
لا نملك حقيقة إجابة مريحة عن هذا السؤال فكل الإجابات مزعجة، ويبدو أن المسألة «فيها لحمة ضب»! ولكننا نأمل أن تراجع الحكومة موقفها وتغض النظر عن المضي في إقرار القوانين غير الدستورية ومنها مشروع المرسوم بقانون في شأن تنظيم الاجتماعات والمواكب العامة.
* نافذة:
مع رفضنا المبدئي للانتخابات الفرعية العرقية والطائفية بجميع أشكالها لأنها أساليب ووسائل غير ديموقراطية، وتضر بعملية التطور الديموقراطي للدولة المدنية الدستورية المعاصرة، ومع مطالبتنا الدائمة بسيادة القانون ورفض استخدام القوة والشغب في الاحتجاج على تطبيقه، إلا إننا وفي نفس الوقت ضد المبالغة والاستفزاز والتعسف في إجراءات وأساليب تطبيق القانون وضد انتهاك حرمة المساكن والحريات الشخصية والعامة، ومع ضرورة الالتزام بالمحافظة على الحقوق المدنية والدستورية للناس، وكما سبق أن ذكرنا، فإن الانتخابات الفرعية ليست إلا نتائج أو أعراضاً لمشاكل مجتمعية اجتماعية وسياسية متى ما تم علاجها فإن هذه الأعراض ستنتهي، ومن الخطأ المبالغة في علاج الأعراض فقط وإهمال الأسباب الحقيقية.