إن إطلاق الكتاب السابع من سلسلة «هاري بوتر» الذي يحمل عنوان «المقدسات المميتة} للكاتبة البريطانية جيه كيه رولينغ سيكون من دون شك واحداً من الحوادث المهمة في العام 2007. وإذا ما أخذ في الحسبان أن سلسلة هاري بوتر تُرجمت إلى 64 لغة عالمية، وأنها باعت ما يفوق الـ 325 مليون نسخة من الأجزاء الستة الأولى، وأن الأفلام الخمسة الأولى المأخوذة عن الرواية جمعت 4 مليارات دولار، فإن هذا يُظهر أن العالم أمام ظاهرة متفردة اسمها جيه كيه رولينغ، وظاهرة أخرى اسمها سلسلة هاري بوتر، وظاهرة ثالثة هي الجمهور العالمي المسحور والمتتبع للكتاب.

Ad

ربما استحق الأمر دراسات وأبحاثاً كثيرة يقدمها أدباء ومثقفون وعلماء نفس ومؤسسات علمية وفكرية وناشرون وقراء من مختلف الأعمار والبلدان للوقوف على ظاهرة السلسلة العجيبة وقدرتها على خلق جمهور ينتظرها ويتتبعها بشغف مجنون.

ما سر الأسرار الذي جاءت به كيه جيه رولينغ لتصنع مجدها ؟ إن سلسلة هاري بوتر، كما بات معروفاً لدى الجميع، هي مغامرة روائية عجائبية يخوضها شاب صغير اسمه هاري بوتر، وهو في كل مرة يقف أمام الشر محاولاً الانتصار للخير والحب. وهذا يأتي ضمن جو من الإثارة والسحر والفنتازيا والتشويق. لكن، ما الخيط الخفي الذي ربطت به رولينغ بين بطلها وبين قلب القارئ ؟ وهل لتوجهها إلى الأطفال علاقة في رواج كتبها ؟ وأي معادلة عجيبة اشتغلت عليها رولينغ لتواصل نجاحها من كتاب إلى آخر ؟ وهل للعولمة الثقافية الغربية والإنترنت والشركات العابرة للقارات دور في ذلك ؟ وهل يمكن أن يتكرر الأمر مع كاتب آخر وسلسلة أخرى؟ وهل ستُحسب رولينغ يوماً بوصفها كاتبة عالمية لها أثر في مسيرة الإبداع والأدب العالمي مثل جيمس جويس وشكسبير ووليم فوكنر ودوستويفسكي ؟ وهل سنشهد خلال السنوات القادمة منح رولينغ جائزة نوبل للآداب ؟

إن هذه الأسئلة وغيرها كثير تتبادر إلى الذهن، والعالم يشهد حمى نشر الجزء السابع من السلسلة. لقد تابعت باهتمام بالغ، خلال الأيام الماضية، ما بثته الفضائيات وما نشرته وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة من أخبار وحوادث للحصول على نسخة من الكتاب الأخير. استوقفني أمران، الأول رحلة مراهقتين عبرتا الولايات المتحدة الأمريكية من غربها إلى شرقها وانتظرتا 16 ساعة أمام أحد متاجر الكتب في نيويورك للحصول على نسخة من الكتاب، لما في ذلك من دلالة مغايرة ومخالفة لصورة ومسلك جيل المراهقين في أميركا. الأمر الثاني هو إطلاق عريضة على شبكة الإنترنت لجمع مليون توقيع يسترحم ويطالب المؤلفة رولينغ بعدم الإقدام على قتل بطل السلسلة هاري بوتر. فأمر كهذا يظهر إلى أي مدى آمن القراء ببطل السلسلة بوصفه حقيقة تمس الحياة، مثلما يظهر قدرة الأدب والفن على خلق أبطال ينافسون بني البشر في حياتهم، فهاري بوتر اليوم معروف أكثر من ملايين البشر، وله عمر فني ربما يطول أكثر من حياة بشر حقيقيين تنتهي أعمارهم بالمجان صباح مساء من حولنا!