لا جدال في أن الوزراء في الدول الديموقراطية ذات النظام البرلماني، هم عين البرلمان على الأداة الحكومية، وبالتالي عين الشعب، الذي اختار هذا البرلمان، وسوف يبصرون كل ما فيه مصلحة الشعب ومصلحة الأمة، ويتعين أن يتاح لهم الوقت الكافي للإصلاح.عطفاً على مقالي المنشور على هذه الصفحة في الثالث من الشهر الجاري تحت عنوان «مبدأ الفصل بين السلطات... جوهر الديموقراطية وأزمتها»، والذي طرحت فيه مطالبة بعض النواب بإقصاء وكيل وزارة الصحة، واستياء البعض الآخر من إقصائه، والمطالبة بإلغاء هذا القرار، وكيف يقع هذا الأمر أو ذاك في حومة مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات، بالتوغل على اختصاص السلطة التنفيذية من ناحية وعلى ولاية القضاء من ناحية أخرى.
ونضيف إلى ذلك ان مطالبة وزير الصحة بإقصاء وكيل الوزارة، إنما يهدر ركناً جوهرياً في المسؤولية السياسية، هو أنه حيث تكون السلطة تكون المسؤولية، بما يتناقض معه تماماً أن يكون الوزير مسؤولاً سياسياً عن قرار ونتائجه وتبعاته اتخذه أحد أعضاء السلطة التشريعية.
ولعل دستور الكويت قد أدرك هذه الحقيقة بالنسبة إلى القرارات برغبة التي يصدرها مجلس الأمة، والتي خوله الحق في إصدارها، بأن أجازت المادة 113 من الدستور للحكومة أن تعتذر عن عدم الأخذ بها، على أن تبين للمجلس أسباب ذلك، فالدستور يترك الأمر كله للسلطة التنفيذية تمارس فيه صلاحياتها وفقاً للدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، على أن تضع هذه الرغبات في مكانها اللائق بها.
ولأن الهدف من المطالبة بإقصاء وكيل الوزارة، وفقاً لرأي النائب المطالب، هو إصلاح وزارة الصحة، فإن وضع مفهوم صحيح للإصلاح قد يكون أمراً ضرورياً قبل الإجابة عن سؤال مهم وأساسي هو متى يمكن أن يبدأ الوزير برنامجه الإصلاحي؟
ولا أجد أبدع ولا أروع من التعبير الاصطلاحي لمفهوم الإصلاح في وزارة الصحة، كما عبر عنه وزيرها السابق الدكتور/ محمد الجارالله، وهو أن يكون وزيراً للمرضى، وهو ما اتخذته عنواناً لهذا المقال.
فقد استعدت من الذاكرة هذا التعبير الذي أتحفنا به رد الوزير د.محمد الجارالله على الاستجواب الذي وجهه إليه النائب حسين القلاف في ابريل سنة 2004 الذي قال فيه الوزير إنه وزير للمرضى قبل أن يكون وزيراً للأطباء والممرضين والفنيين والإداريين.
وأنه مسؤول عنهم دستورياً بالدرجة الأولى ومن ثم على من يرعاهم، وأنه يتلمس آهات هؤلاء وأناتهم، ويتلمس ما يشعرون به من أوجاع ومشاعر تكون مؤلمة أحياناً ليتفاعل معها، وأنه عندما يرى في جولة تفتيشية بالليل أحد الرجال الكبار أو امرأة عجوز تشتكي يكون هذا مدعاة لكي يحاسب، وأن يوصي وأن يوجه (مضبطة الجلسة 1091/أ - ص113).
ثم يستطرد في اليوم التالي في رده على الاستجواب، فيقول إن هدفه هو المريض ومصلحة المريض، ثم يأتي بعد ذلك الطبيب والممرض والفني والإداري، يأتون بعد المريض. (مضبطة الجلسة 1091/ب).
ومن ثم فإن مطالبة معالي وزير الصحة عبدالله الطويل، بإصلاح الوزارة عن طريق إقصاء وكيلها، تكون كمن وضع العربة قبل الحصان.
فالوزير مطالب منذ اليوم الأول لتبوؤ منصبه الوزاري بأن يدعو المسؤولين في الوزارة من فنيين وإداريين وعلى رأسهم وكيل الوزارة الى وضع الخطط العملية لتنفيذ برنامج الحكومة، فالأخير بحكم مدة خدمته الطويلة بالوزارة يستطيع أن يمد الوزير بكل المعطيات الضرورية لهذه الخطط، ليقوم بعد دراستها والتشاور معهم في معطياتها ووسائلها وأساليبها بالتوفيق بينها وبين ذلك البرنامج، ويدمج في هذه الخطط ما قد يراه من تعديل عليها، تزيد من كفاءة تنفيذها، وما قد يقترح سَنَّه من تشريعات ولوائح جديدة أو تعديل في التشريعات واللوائح القائمة أو إلغائها، وما قد يترتب على كل ذلك من زيادة في الاعتمادات المالية، سواء بفتح اعتماد إضافي لها أو بإدراجها في مشروع الميزانية للسنة المالية التالية.
ثم يأتي الدور الرقابي للوزير بالإشراف اليقظ المستمر، أولاً بأول، وخطوة بعد خطوة على تنفيذه هذه الخطط للكشف عن الثغرات أو النقص والقصور فيها للعمل على تعديلها بما يزيد من كفاءتها ويحد من عثراتها، أو بما يصاحب تنفيذ هذه الخطط من أخطاء يوجه الوزير المسؤولين إلى معالجتها أو تداركها في المستقبل، أو يصدر القرارات الكفيلة بذلك، وقد تصل رقابة الوزير إلى إقصاء مسؤول أو أكثر من مسؤولي الوزارة الذين لا يتعاونون معه في تنفيذ سياسته أو بلوغ الغايات التي رسمها برنامج عمل الحكومة أو الخطط العملية لتنفيذ هذا البرنامج.
وهو ما فعلته وزيرة التربية والتعليم العالي د.نورية الصبيح، عندما أقصت وكيل الوزارة، وأوضحت أنها سبق أن حذرته مراراً ودعته إلى ضرورة التفاعل والعمل على تحقيق الأهداف، لكنه كان بطيء الإيقاع في تنفيذ المشاريع، بل إنه حاول عرقلة بعضها لأسباب غير معروفة.
ولا جدال في أن الوزراء في الدول الديموقراطية ذات النظام البرلماني، هم عين البرلمان على الأداة الحكومية، وبالتالي عين الشعب الذي اختار هذا البرلمان، وسوف يبصرون كل ما فيه مصلحة الشعب ومصلحة الأمة، تحت رقابة برلمانية يمارسها مجلس الأمة عليهم من خلال الأسئلة وطلبات المناقشة والتحقيق البرلماني والاستجواب الذي قد يصل إلى طرح الثقة بالوزير، ولكن... بعد أن يكون قد أتيح له الوقت الكافي للإصلاح.