كنت في التاسعة من العمر أو ما يزيد قليلا، حينما حمّلني والدي (الصلف) ما لا يحتمل الطفل؛ إذ شدّ لي بطّان (الذلول) وسوّى (الشداد)، ثم ناولني بندقية قديمة من البنادق ذات الأصبع الواحدة، ووضع فيها طلقة أو طلقتين لا أكثر، وقال لي: اسمع، إياك أن تخسر طلقة واحدة، إلاّ إذا كنت في دفاع عن العمر.. أفهمت. ثم (هاك) هذه الصُرّة من (الدراهم) أوصلها إلى (عقايل الخرقاء)، وقل له (حفار ودفان على كل ما خفي وبان).

Ad

حقيقة لم أعرف فحوى الرسالة حتى الآن، لكني حسب أمر والدي ركبت الذلول وسرت إلى السيد (عقايل الخرقاء) الذي تبعد مضاربه عن مضاربنا مسافة عشرين كيلو مترا كما أقدر الآن.

حقيقة كنت خائفا ومرتجفا، لكنني لا أريد أن أبيّن ذلك لوالدي الصلف؛ لكي لا يُسقطني من عداد الرجال، كما هو عُرف القبيلة؛ لذلك (حزمت ضلوعي) على الخوف وانطلقت في مجاهل الصحراء.

في بداية الرحلة، كانت الذلول (الناقة) (تُدرهم) أو هي تهرول ثم أخذت (بالخبيب)، ثم تراخت أذرعها وصارت تمارس سيرها الاعتيادي البطيء، ثم (شوشت) وتوقفت وأحسست أن ثمة شيئا أراع الذلول.

تلفتّ ذات اليمين وذات الشمال، وقد كان القمر يتدحرج وهو يصعد درجات السماء، فلمحت ذئبا يدنو ويبعد عني ويخاتلني، كما هو سلوك الذئاب، وتذكرت أن الذئاب قد تصادق الإنسان لكنني كنت أرتجف من شعر رأسي حتى أخمص قدمي، وأصبت برعب شديد في أول مواجهة مع الذئب.

تذكرت أنني أحمل بندقية (أتأبطها) تحت (فروتي)، وأن أبي قال لي لا تطلق الرصاص إلاّ إذا كنت في دفاع عن العُمر؛ لأن الرصاصة كانت غالية في ذلك الزمان.

كان الذئب (يهرف) بالقرب مني، وأحيانا يمارس حركاته البهلوانية أمام (الذلول)، وكنت أصرخ فيه بصوتي المرتجف، كما كنت أصرخ على الكلاب.

هكذا: الخلأ.. إعقب!

لكنه ظل يدنو ويبتعد، يبتعد كلما صرخت به ويدنو كلما صمتّ.

حينئذ، تناولت البندقية وصوبتها نحوه وأطلقت طلقة واحدة كما أوصاني والدي، لكنها لم تصب الذئب الذي راح يجري بعيدا بسرعة البرق مبتعدا عني، ولم أعد أسمع إلاّ عواءه البعيد في شعفات الجبال. تحية إلى ذلك الذئب البعيد لأنه علمني كيف أقاوم الخوف!!