مكانة آسيا في العالم

نشر في 05-12-2007
آخر تحديث 05-12-2007 | 00:00
نحن -الآسيويين- نسكن أضخم قارة في العالم، وتعداد سكان قارتنا هو الأضخم بين قارات العالم، وتشهد قارتنا معدلات نمو اقتصادي هي الأسرع في العالم، هذا فضلاً عن تاريخنا الثري وحضاراتنا القديمة، ورغم كل ذلك فإن دورنا في الشؤون الدولية أقل كثيراً مما ينبغي له.
 بروجيكت سنديكيت قبل أن أتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة كنت دبلوماسياً آسيوياً. وحين كنت أشغل منصب وزير خارجية جمهورية كوريا، كنت أنا وحكومتي ندعو بقوة إلى بذل كل الجهود الممكنة لتخفيف التوتر بيننا وبين الشمال. وحين دعا بعض زعماء العالم إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الشمال، بادرت كوريا الجنوبية إلى الدعوة إلى الحوار.

والحوار يتطلب الإنصات بقدر ما يعني التحدث، كما يعني الحوار الالتزام بالمبادئ، بيد أنه في الوقت نفسه يعني محاولة فهم الجانب الآخر، حتى لو بدا عنيداً ومتصلباً في بعض الأحيان.

هذا هو الأسلوب الذي أتبناه في الأمم المتحدة، فأنا أؤمن بقوة الدبلوماسية والمشاركة، وأقدم الحوار على المناقشات أو التصريحات في الأهمية، وأنا أسعى في المقام الأول إلى الخروج بنتائج واضحة.

هذا هو بالتحديد ما نقوم به الآن في ميانمار... عاد مستشاري الخاص إبراهيم غمباري إلى يانغون أخيراً، وتتلخص مهمته هناك في أن يكون وسيطاً أميناً في تيسير الحوار بين الحكومة وزعماء المعارضة، وخصوصاً أونغ سان سون كي، والهدف من هذه الوساطة هو حث حكومة ميانمار على إطلاق سراح المحتجزين كافة من الطلاب والمتظاهرين، والانخراط مع المعارضة في حوار بناء، والتحرك نحو مجتمع أكثر ديموقراطية، والعودة إلى الاندماج في المجتمع الدولي.

إن هذا النوع من الدبلوماسية ليس بالسريع أو السهل، فنادراً ما ننتظر التهليل أو الاستحسان، وفي كثير من الأحيان لا يتم التوصل إلى نتائج ملموسة مباشرة، إنه نوع من الكدح الهادئ المؤلم من وراء الكواليس وبعيداً عن الأضواء، وهذا الأمر يتطلب الكثير من التملق والمديح لزعماء العالم لحثهم على القيام بهذا أو ذاك، إنها عبارة عن سيمفونية رغم افتقارها إلى تآلف الألحان من الخطوات الصغيرة التي نأمل أن تؤدي في النهاية إلى إنجاز أعظم.

وفي هذا السياق ليس لنا أن نتوقع أي شيء؛ فكل ما بوسعنا هو أن نستمر في المحاولة، ونواصل الدفع، وقد تُصادف مثل هذه الجهود النجاح، وقد لا تنجح. وهنا يتعين علينا أن نحاول من جديد، على نحو مختلف، في سعي دائم إلى إحراز بعض التقدم الذي من شأنه أن يجعل الخطوة التالية ممكنة.

لقد بلغنا هذه النقطة في دارفور، ولقد أنفقت مئات الساعات في العمل من وراء الأبواب المغلقة مع العديد من أطراف الصراع الحكومة السودانية، وقادة التمرد، والدول المجاورة، والشركاء في الاتحاد الإفريقي، وفي الوقت ذاته نحاول دفع الأمور إلى الأمام في إطار واحدة من أعقد عمليات حفظ السلام في تاريخنا، فنطعم ونوفر الحماية لمئات الآلاف من النازحين، ونرعى مفاوضات سلام صعبة في ليبيا.

ولكن حتى مع دفعي بأسلوبي في الدبلوماسية «الآسيوية»، فقد أشعر أحياناً ببعض الوحدة حين أجلس كآسيوي إلى المائدة الدبلوماسية المستديرة للمجتمع الدولي.

فنحن -الآسيويين- نسكن أضخم قارة في العالم، وتعداد سكان قارتنا هو الأضخم بين قارات العالم، وتشهد قارتنا معدلات نمو اقتصادي هي الأسرع في العالم، هذا فضلاً عن تاريخنا الثري وحضاراتنا القديمة، ورغم كل ذلك فإن دورنا في الشؤون الدولية أقل كثيراً مما ينبغي له.

إن مساهمة آسيا في الأمم المتحدة، رغم ضآلة حجمها، من الممكن أن تكون أعظم، والحقيقة أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها القارة، إذا ما اخترت تعبيراً مهذباً، أقل من سخية، وقارتنا هي الوحيدة التي لم تشهد أي شكل من أشكال التكامل الإقليمي أو الأسواق المشتركة.

فأهل أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية يحلمون بإنشاء منطقة تجارة حرة، ويتحدث الأوروبيون عن تأسيس الولايات المتحدة الأوروبية، ويطمح الاتحاد الإفريقي إلى التحول إلى الولايات المتحدة الإفريقية، فلم لا يكون هناك أيضاً الولايات المتحدة الآسيوية؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعل من آسيا مكاناً مختلفاً: التاريخ، والتنوع الثقافي، والنزاعات السياسية والحدودية، والافتقار إلى الخبرات التعددية، وهيمنة مركز أو اثنين من مراكز القوى، بيد أن السبب الرئيسي يرجع إلى أننا لم نحاول.

إن آسيا تظلم نفسها بهذا، وباعتباري أميناً عاماً من آسيا، فإنني أتمنى أن أرى هذه الحال وقد تغيرت قريباً، وأتمنى أن أرى آسيا الأكثر تكاملاً والأكثر اندماجاً في المجتمع الدولي.

الحقيقة أنني أتوقع إنجازات عظيمة في هذا السياق من أهل بلدي الكوريين، ذلك الشعب المتميز الذي نهض اعتماداً على ذاته. وإنني لأتمنى أن تتحمل كوريا مزيدا من المسؤوليات في العالم على نحو يتكافأ مع نفوذها الاقتصادي المتنامي، ولاسيما في مجال التنمية، الذي يشكل واحداً من الأعمدة الثلاثة التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، ويتعين على كوريا أن تخطو إلى الأمام وأن تدلي بدلوها، وأن تفعل المزيد، ولابد أن يرافق هذا مزيد من مساعدات التنمية الرسمية السخية.

لقد أبدى الكوريون بالفعل ميلهم إلى الدبلوماسية التعددية واستعداداً لحل المشاكل من خلال المحادثات السداسية، والآن بات لزاماً على الكوريين بصفة خاصة، والآسيويين بصفة عامة، أن يوظفوا مهاراتهم ونجاحاتهم في التعامل مع أكثر القضايا العالمية إلحاحاً اليوم.

هذه ليست مجرد آمال، بل إن كل هذا يشكل في الواقع التزاماً يتعين على آسيا أن تفي به.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top