كيف تخرج البلاد من أزمتها السياسية؟!
هذا النظام البرلماني-الحكومي العليل والمضطرب هو سبب الأزمة، وكل محاولات العلاج التي ستتجه إلى الأطراف والجزئيات وتتحاشى مواجهة هذه الحقيقة الصلعاء، ستنتهي من دون أثر وبلا فائدة، بل ستزيد الأزمة تعقيداً ورسوخاً!
في الرابع والعشرين من الشهر الفائت، طرحت «الجريدة» السؤال أعلاه (عنوان المقال) على عدد من النواب، وجاءت الإجابات متفاوتة تبعاً لرؤية كل نائب للوضع السياسي وكيفية التعامل معه، واختلفت بالتالي بمقدار القرب والبعد عن إصابة قلب المسألة. تحفظ بعدها إلى حد الإبهام، وتجرأ بعضهم الآخر وإن ابتعد عن التصريح واكتفى بالتلميح، بالرغم من أن حرارة الأزمة قد بلغت ذراها وما عادت تحتمل التلميح.دارت الردود في المجمل بشأن إلقاء اللائمة على الحكومة لعدم تجانسها وضعف آلية اختيارها مما أنتج تشكيلات ضعيفة ومهلهلة، وأيضا لعدم امتلاكها خطة واضحة، وكذلك قدرة أصحاب المصالح وقوى الفساد على اختراق قرارها، أو بشأن ربط الأزمة بالتصعيد البرلماني المستمر وعدم وجود التعاون البرلماني الحكومي وانعدام الثقة ما بين الجانبين! حسن، ولكن هذا لا يكفي يا سادة، فقد صار من المهم اليوم، وبعدما ارتفعت الأزمة على رؤوس الأشهاد، وامتدت على كل المستويات، أن نتجرأ فنعترف بأن المرض أخطر بكثير من هذه الأسباب الجزئية الثانوية. إن كنا نريد أن نعالج الأزمة فعلاً فلابد من مصارحة أنفسنا بأن ما نعيشه ليس إلا مظاهر مختلفة لمرض مزمن كان يتغلغل وينتشر في واقعنا عبر سنوات طويلة، وظهوره اليوم ليس لانعدامه بالأمس وإنما لأنه قد استفحل حتى بلغ المرحلة الأشد!إن ممارستنا السياسية برمتها بحاجة إلى انتفاضة عميقة تصل إلى أساساتها لتجعلها قادرة على التعامل مع واقع يختلف كلية في ملامحه وتفاصيله وظروفه وتحدياته عن ذلك الواقع الذي وضع فيه دستور البلاد منذ خمسة وأربعين عاماً. واضعو الدستور كانوا يعلمون بأن الحياة ستتطور، ولذلك صاغوه بالمرونة التي ظنوا أنها قادرة على استيعاب أي تحديث للممارسة السياسية، وزادوا على ذلك فجعلوا مواده قابلة للتعديل، إن طرأت الحاجة، وصولاً إلى مزيد من ضمانات الحرية والمساواة.إن برلماننا غير المتعاون والنازع للتصعيد والمختطف للأجندات الخاصة، إن كان ذلك حقا، فإنه في الأصل ليس سوى نتاج متوقع للعملية الانتخابية الفردية المشوبة بعشرات المثالب، والمخترقة بالانتخابات الفرعية ونقل الأصوات وشرائها. هذه الآفات التي أوجدتها السلطة ورعتها إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وحكوماتنا المتوالية غير المستقرة والضعيفة والتي لا تمتلك خططاً واضحة ولا برامج محددة والتي أضحت غير قادرة حتى على إسناد البنية التحتية للبلاد من كهرباء وماء وصحة وتعليم وإسكان وغيره، وغدا لا يستر انهيارها الواقع سوى استمرار تدفق البترول وتواصل ارتفاع أسعاره، ما هي إلا ثمرة مباشرة لعملية المحاصصة والموازنات السياسية والقبلية والطائفية التي لا تقوم على أي موضوعية أو منطق، واحتكار وزارات معينة على أبناء الأسرة من دون أي سند دستوري.هذا النظام البرلماني-الحكومي العليل والمضطرب هو سبب الأزمة، وكل محاولات العلاج التي ستتجه إلى الأطراف والجزئيات وتتحاشى مواجهة هذه الحقيقة الصلعاء، ستنتهي من دون أثر وبلا فائدة، بل ستزيد الأزمة تعقيداً ورسوخاً!لا حل إلا بتطوير هذه التركيبة والنظام للوصول إلى الديموقراطية الكاملة والحقيقية إما من خلال الدستور بمواده الحالية التي أؤمن بأنها تتسع إن نحن أردنا ذلك، وإما باللجوء إلى تعديلها وفق ما أقره الدستور بنفسه. لا حل إلا بهذا إن نحن أردنا الخروج من الأزمة وإنقاذ الكويت!