Ad

تحدث الجزء الأول عن سخاء الولايات المتحدة التاريخي مع إسرائيل، بإغداقها عليها أكثر من 140 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية، وأفرد الكتاب سلسلة مفصلة بأوجه الدعم السياسي والدبلوماسي والمساعدات المالية والاستخباراتية، التي تمد بها واشنطن حليفتها تل أبيب.

كما تناول تغلغل اللوبي الإسرائيلي في مفاصل الدولة الأميركية، ومراكزها البحثية والأكاديمية، ومراكز صنع القرار، بينما استعرض التناقض بين السخاء والدعم الأميركي اللا محدودين لدولة إسرائيل منذ نشأتها من جانب، والممارسات الإسرائيلية التي تعرّض مصالح الولايات المتحدة والعالم للخطر، سواء في صورة حنث الوعود، والعجز الاستراتيجي، والحرج الدولي، والتجسس وتسريب المعلومات، وغيرها من التجاوزات التي شابت علاقة الجانبين، ودور اللوبي الإسرائيلي في تغطية تلك الثغرات التي اعترت علاقتهما، على الجانب الآخر.

قرون الاضطهاد

يتعارض بعض ملامح الديموقراطية الإسرائيلية مع القيم الأميركية الرئيسية. فعلى خلاف الولايات المتّحدة، حيث من المفترض أن يتمتع الناس بحقوق متساوية بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الانتماء العرقي، تأسست إسرائيل بشكل واضح كدولة يهودية، وتعتمد المواطنة فيها على مبدأ قرابة الدم. وفي ضوء ذلك، ليس من المفاجئ أن يُعامَل عرب إسرائيل البالغ عددهم 1.3 مليون، كمواطنين من الدرجة الثانية، أو أن لجنة حكومية إسرائيلية وجدت أخيراً أن إسرائيل تتصرف نحوهم بأسلوب «متجاهل وتمييزي»؛ كما أن المكانة الديموقراطية لإسرائيل تقوض برفضها منح الفلسطينيين دولة حقيقية، يتمتعون فيها بحقوقهم السياسية الخاصة أو الكاملة.

وبعيداً عن تفسيري الرابطة الاستراتيجية الخاصة والحتميات الأخلاقية الراسخة بين الأميركيين والإسرائيليين، يبرز هناك تبرير ثالث لتلك الروابط الخاصة بينهما؛ هو تاريخ المعاناة اليهودية في الغرب المسيحي، خصوصا أثناء المحرقة، فنظراً إلى أن اليهود تعرضوا للاضطهاد لقرون طويلة، ولا يمكنهم أن يشعروا بالأمان سوى في وطن يهودي، يعتقد العديد من الناس الآن أن إسرائيل تستحق معاملة خاصة من الولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن تأسيس دولة إسرائيل كان بمنزلة استجابة ملائمة لذلك السجل الطويل من الجرائم ضد اليهود، لكنه جلب جرائم جديدة أيضا ضد طرف ثالث بريء لدرجة كبيرة (الفلسطينيون).

كان ذلك مفهوما بصورة جيدة من قبل زعماء إسرائيل الأوائل، فقد قال ديفيد بن غوريون لنعوم غولدمان، رئيس المجلس اليهودي العالمي:

«لو كنت زعيماً عربياً فلن أبرم تسوية مع إسرائيل مُطلقاً. ذلك أمر طبيعي: فقد أخذنا بلادهم... لقد جئنا من إسرائيل، لكن قبل ألفي سنة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لهم؟ لقد كان هناك معاداة السامية، والنازيون، وهتلر، ومعسكر أوشفيتز، لكن هل كان ذلك ذنبهم؟... هم يرون شيئاً واحداً فقط: لقد جئنا إلى هنا وسرقنا بلادهم، لماذا يتوجب عليهم أن يقبلوا بذلك؟»

ومنذ ذلك الحين، سعى الزعماء الإسرائيليون مراراً وتكراراً إلى إنكار طموحات الفلسطينيين الوطنية، فعندما كانت رئيسة للوزراء، أعلنت غولدا مائير في جملتها الشهيرة «ليس هناك شيء اسمه فلسطيني»، لكن الضغط الناجم عن العنف المتطرف والنمو السكاني للفلسطينيين، أرغم الزعماء الإسرائيليين اللاحقين على الانسحاب من قطاع غزة والنظر في إيجاد تسويات إقليمية أخرى، لكن لم يكن حتى إسحق رابين راغباً في أن يعرض على الفلسطينيين دولة حقيقية؛ أما العرض السخي المزعوم لإيهود باراك في «كامب ديفيد» (الثانية)، لم يكن ليمنحهم سوى مجموعة من المحميات المنزوعة السلاح الواقعة فعلياً تحت السيطرة الإسرائيلية. إن التاريخ المأساوي للشعب اليهودي، لا يُلزم الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل اليوم مهما فعلت.

آلة قتل مرعبة

إن داعمي إسرائيل يصوّرونها أيضاً في كل مناسبة كبلاد تريد السلام، وأنها تُظهر قدراً عظيماً من ضبط النفس حتى عندما تُستفز، وعلى العكس من ذلك بالنسبة للعرب حيث يقال إنهم تصرفوا بقدر هائل من الشر، ومع ذلك فعلى أرض الواقع، لا يمكن تمييز سجل إسرائيل عن مثيله عند أعدائها: لقد اعترف بن غوريون بأن الصهاينة الأوائل كانوا أبعد ما يكون عن ممارسة الخير مع العرب الفلسطينيين الذين قاوموا انتهاكاتهم، وهو أمر لا يثير الدهشة كون الصهاينة كانوا يحاولون خلق دولتهم الخاصة على الأرض العربية. وبالطريقة نفسها، انطوى إنشاء دولة إسرائيل ما بين عامي 1947 و1948 على ممارسات من التطهير العرقي، بما في ذلك أحكام الإعدام والمذابح واغتصاب النساء من قبل اليهود، كما كان مسلك إسرائيل اللاحق وحشياً في أغلب الأحيان، مما يُكذّب أي ادعاء بالتفوق الأخلاقي. ما بين عامي 1949 و1956، على سبيل المثال، قتلت قوات الأمن الإسرائيلية ما بين 2700 و5000 من المتسلّلين العرب، كان غالبيتهم الساحقة عزّلاً؛ كما قتل جيش الدفاع الإسرائيلي المئات من أسرى الحرب المصريين في كل من حربي 1956 و1967، في حين قام في عام 1967 بطرد ما يتراوح بين 100000 و260000 فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة لتوها، كما طرد 80000 سوري من مرتفعات الجولان.

خلال الانتفاضة الأولى، وزّع جيش الدفاع الإسرائيلي الهراوات على قواته وشجعهم على كسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين. قدّر الفرع السويدي لمنظمة «أنقذوا الأطفال» أن «هناك ما بين 23600 إلى 29900 طفل احتاجوا إلى معالجة طبية من الإصابات الناجمة عن الضرب في العامين الأولين من الانتفاضة»، كان ثلثهم تقريباً يبلغون من العمر عشر سنوات أو أقل، وكان الرد على الانتفاضة الثانية أكثر عنفاً، مما دفع صحيفة «هآرتس» إلى التصريح بأن «جيش الدفاع الإسرائيلي... يتحوّل إلى آلة للقتل ذات فعالية تثير الرهبة في النفوس، لكنها مريعة».

أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي مليون رصاصة خلال الأيام الأولى من الانتفاضة. ومنذ ذلك الحين، في مقابل كل إسرائيلي خسرته، قتلت إسرائيل 3.4 فلسطينيين، كان أغلبيتهم من المتفرجين الأبرياء؛ بيد أن نسبة الأطفال الفلسطينيين إلى الإسرائيليين المقتولين كانت أعلى (5.7: 1). ومن المفيد أيضا أن نضع في الاعتبار أن الصهاينة اعتمدوا على القنابل الإرهابية لطرد البريطانيين من فلسطين، وأن إسحق شامير، الذي كان إرهابياً شغل لاحقاً منصب رئيس الوزراء، أعلن أنّه «لا الأخلاق اليهودية ولا التقاليد اليهودية يمكنهما أن يلغيا الإرهاب كوسيلة للقتال».

إن لجوء الفلسطينيين إلى الإرهاب أمر خطأ، لكنه ليس مفاجئاً. يعتقد الفلسطينيون أنهم لا يمتلكون طريقاً آخر لفرض التنازلات الإسرائيلية. وكما اعترف إيهود باراك ذات مرة، فلو كان وُلد فلسطينياً، «لكان سينضم إلى منظمة إرهابية».

مشورة روتينية

إذن، فإذا كانت الحجج الاستراتيجية والأخلاقية غير قادرة على تبرير دعم أميركا لإسرائيل، فكيف يمكننا تفسيره؟

يتجسد التفسير في القوة الفريدة للوبي الإسرائيلي. سنستخدم اصطلاح «اللوبي» كاختصار لوصف الائتلاف الفضفاض من الأفراد والمنظمات التي تعمل بشكل نشيط لتوجيه السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه مؤيد لإسرائيل، لكن هذا لا يعني الإشارة إلى أن «اللوبي» هو حركة موحدة ذات قيادة مركزية، أو أن الأفراد الموجودين داخله لا يختلفون فيما بينهم بشأن بعض القضايا، لا يمثل جميع الأميركيين اليهود جزءاً من اللوبي، لأن إسرائيل ليست قضية بارزة بالنسبة للعديد منهم.

وفي مسح أجري عام 2004، على سبيل المثال، قال نحو 36 في المئة من الأميركيين اليهود إنهم كانوا إما «غير مرتبطين كثيراً» أو «غير مرتبطين على الإطلاق» بإسرائيل عاطفياً.

يختلف الأميركيون اليهود أيضا بشأن سياسات إسرائيلية بعينها، إن العديد من المنظمات الرئيسية في اللوبي، مثل «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة» (AIPAC) (إيباك)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، يُدار من قبل متشددين يدعمون عموماً سياسات حزب الليكود التوسعية، بما فيها مناهضته لعملية أوسلو للسلام. وفي الوقت نفسه، فمعظم اليهود الأميركيين أكثر ميلاً إلى تقديم تنازلات للفلسطينيين، وهناك عدد قليل من الجماعات- مثل الصوت اليهودي من أجل السلام- يدعو بقوة إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات. وبرغم هذه الاختلافات، فالمعتدلون والمتشددون جميعهم يحبذون منح الدعم الراسخ لإسرائيل.

لا عجب إذن أن يستشير الزعماء الأميركيون اليهود المسؤولين الإسرائيليين في كثير من الأحيان، للتأكد من أن أفعالهم تعزز الأهداف الإسرائيلية. وكما كتب أحد الناشطين في إحدى المنظمات اليهودية الكبرى:

«إنه لأمر روتيني بالنسبة لنا أن نقول: هذه هي سياستنا تجاه قضية بعينها، لكن يجب علينا أن نتأكد من رأي الإسرائيليين في الأمر، نحن كمجتمع، نفعل ذلك دائماً».

نبوءات توراتية

هناك تحيز قوي ضد انتقاد السياسة الإسرائيلية، كما أن فرض الضغوط على إسرائيل يعد أمراً غير مقبول. وقد اتُّهم إدغار برونفمان الابن، رئيس المجلس اليهودي العالمي، «بالعَمالة» عندما كتب رسالة إلى الرئيس بوش في منتصف عام 2003 تحثه على إقناع إسرائيل بإيقاف بناء «جدارها الأمني» المثير للجدل، قال منتقدوه إنه «من البذاءة في أي وقت كان لرئيس المجلس اليهودي العالمي، أن يضغط على رئيس الولايات المتحدة لمقاومة السياسات التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية».

وبالطريقة نفسها، عندما قام رئيس منتدى السياسة الإسرائيلية، سيمور رايتش، بنُصح كوندوليزا رايس في نوفمبر 2005 بأن تطلب من إسرائيل إعادة فتح معبر حدودي حيوي في قطاع غزة، تعرض فعله للشجب باعتباره «غير مسؤول»، وقال منتقدوه «من المؤكد أنه ليس هناك مجال على الإطلاق ضمن الاتجاه اليهودي العام لحشد الأصوات ضد السياسات المتعلقة بأمن... إسرائيل». وللفرار من هذه الهجمات، أعلن رايتش «إن كلمة (ضغط) ليست ضمن مفرداتي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل».

أقام الأميركيون اليهود مجموعة مؤثرة من المنظمات من أجل التأثير على السياسة الخارجية الأميركية، ومن بينها تعد «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة» (إيباك) الأقوى والأشهر. في عام 1997، طلبت مجلة «فورتشن» من أعضاء الكونغرس ومساعديهم تعديد اللوبيات الأقوى في واشنطن. صنّفت «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة» ثانية، وراء «الجمعية الأميركية للأفراد المتقاعدين» (AARP)، وتلتهما «نقابة العمال الأميركيين- كونغرس المنظمات الصناعية» (AFL-CIO)، والجمعية الوطنية للبنادق (NRA). وتوصلت دراسة أجرتها دورية «ناشيونال جورنال» في مارس 2005 إلى استنتاجات مماثلة، واضعة (إيباك) في المركز الثاني (على قدم المساواة مع الجمعية الأميركية للأفراد المتقاعدين) في قائمة «استعراض العضلات» بالعاصمة واشنطن.

ويتضمن اللوبي أيضا مسيحيين إنجيليين بارزين مثل غاري باور، وجيري فالويل، ورالف ريد، وبات روبرتسون، بالإضافة إلى ديك آرمي وتوم ديلاي، زعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب، وجميعهم يعتقد أن ولادة إسرائيل من جديد هو تحقيق لنبوءة التوراة، وبالتالي فهو يدعم جدول أعمالها التوسعية؛ كما يؤمن بأن الإقدام على ما هو خلاف ذلك يتعارض مع إرادة الله. أما المسيحيون من المحافظين الجدد مثل جون بولتون؛ وروبرت بارتلي، رئيس تحرير صحيفة «وول ستريت جورنال» السابق؛ ووليام بينيت، وزير التربية السابق؛ وجين كيركباتريك، ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سابقاً؛ والمحرّر الصحافي المؤثر جورج ويل، فهم أيضاً مؤيدون مخلصون لإسرائيل.

استراتيجيتان واسعتان

يتيح النمط الأميركي لهيكل الحكومة العديد من الطرق أمام النشطاء للتأثير على كيفية عمل السياسات: فبوسع جماعات المصالح الخاصة ممارسة ضغوطها لكسب ممثلين منتخبين وأعضاء في السلطة التنفيذية، وأن تقدم تبرعات للحملات، والتصويت في الانتخابات، ومحاولة تشكيل الرأي العام... إلخ، وهي تتمتع بقدر غير متكافئ من التأثير عندما تتبنى قضية لا يبالي بها معظم السكان، إذ سيميل صناع السياسات إلى استيعاب أولئك الذين يهتمون بالقضية، حتى لو كانت أعدادهم قليلة، واثقين من أن بقية السكان سوف لن يعاقبوهم على فعل ذلك.

وفي أنماط عمله الأساسي، لا يختلف اللوبي الإسرائيلي عن لوبي الزراعة، أو الصلب، أو نقابات عمال النسيج، أو اللوبيات العرقية الأخرى. ليس هناك ما يعيب في أن يسعى اليهود الأميركيون وحلفاؤهم المسيحيون إلى السيطرة على السياسة الأميركية: فأنشطة اللوبي ليست مؤامرة من النوع الذي تم تصويره في كتيبات مثل «بروتوكولات حكماء صهيون»، ففي الغالب، لا يقوم الأفراد والمجموعات المكونة لذلك اللوبي سوى بعمل ما تفعله جماعات المصالح الأخرى، لكنها تفعل ذلك بصورة أفضل بكثير. وعلى العكس من ذلك، فجماعات المصالح الخاصة المؤيدة للعرب، إن وجدت أصلاً، تتسم بالضعف، ما يجعل مهمة اللوبي الإسرائيلي أكثر سهولة.

ينتهج اللوبي استراتيجيتين واسعتين: أولاهما، يستخدم تأثيره الذي لا يستهان به في واشنطن، في الضغط على كل من الكونغرس والسلطة التنفيذية، ومهما تكن وجهات النظر الخاصة لأي مشرع أو صانع منفرد للسياسات، يحاول اللوبي جعل مساندة إسرائيل تبدو وكأنها الاختيار «الذكي». والثانية، يجاهد اللوبي لضمان أن الأحاديث العامة تصور إسرائيل في ضوء إيجابي، بتكرار الخرافات المتعلقة بتأسيسها والترويج لوجهة نظرها في المجادلات السياسية. ويستهدف ذلك منع حصول التعليقات الناقدة، على أن تُسمع بصورة عادلة في الميدان السياسي، فالتحكم في النقاش ضروري لضمان الدعم الأميركي، لأن المناقشة الصريحة للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية قد تؤدي بالأميركيين إلى مناصرة سياسة مختلفة.

ومن بين الدعائم الرئيسية لفعالية اللوبي، نجد تأثيره في الكونغرس، حيث تتمتع إسرائيل بمناعة فعلية من النقد، وهذا في حد ذاته جدير بالملاحظة، لأن الكونغرس نادراً ما يبتعد عن القضايا المتنازع عليها. وعلى أي حال، فحيثما تكن إسرائيل معنية بالأمر، يتم إسكات النقاد المحتملين.

ومن بين أسباب ذلك أن بعض الأعضاء الرئيسيين صهاينة مسيحيون مثل ديك آرمي، الذي قال في سبتمبر 2002 «أهم أولوياتي في السياسة الخارجية تتمثل في حماية إسرائيل»، في حين قد يعتقد المرء أن أولى أولويات أي عضو في الكونغرس هي حماية أميركا، وهناك أعضاء يهود في مجلسي الشيوخ والنواب يعملون أيضاً لضمان أن تدعم السياسة الخارجية الأميركية مصالح إسرائيل.

والمصدر الآخر لقوة اللوبي هو استخدامه لموظفي الكونغرس المؤيدين لإسرائيل، وكما اعترف ذات مرة موريس أميتاي، الرئيس السابق لـ «إيباك» قائلاً «هناك كثير من الرجال على المستوى العامل فوق هنا (في مبنى الكابيتول)... الذين تصادف أنهم من اليهود الراغبين في النظر إلى بعض القضايا من منظور يهوديتهم... هؤلاء جميعاً رجال قادرون على أن يتخذوا القرار في هذه المجالات نيابة عن أعضاء مجلس الشيوخ... يمكنك إنجاز قدر هائل من العمل على مستوى الموظفين فحسب».

«إيباك» وقبضتها الخانقة

وعلى أي حال، فلجنة «إيباك» نفسها تشكل جوهر نفوذ اللوبي في الكونغرس، ويعود نجاحها إلى قدرتها على مكافأة المشرعين والمرشحين لعضوية الكونغرس الذين يدعمون جدول أعمالها، وعلى معاقبة من يتحدونه.

للمال أهمية حيوية في الانتخابات الأميركية (كما تذكرنا الفضيحة المتعلقة بالتعاملات المشبوهة لعضو اللوبي، جاك أبراموف)، لذا فإن لجنة «إيباك» تحرص على حصول أصدقائها على دعم مالي قوي من العديد من لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل.

يمكن لأي شخص يُنظر إليه كمعاد ٍلإسرائيل أن يتأكد من أن لجنة «إيباك» ستوجه التبرعات المتعلقة بالحملات الانتخابية إلى معارضيه السياسيين؛ كما تنظم «إيباك» حملات لكتابة رسائل للصحف بغرض تشجيع محرريها وكتابها على تأييد المرشحين المؤيدين لإسرائيل.

ليس هناك شك في فعالية هذه الوسائل... وإليكم مثال على ذلك: في انتخابات عام 1984، ساعدت لجنة «إيباك» على إلحاق الهزيمة بالسيناتور تشارلز بيرسي من إلينوي، الذي - حسب عضو بارز في اللوبي - «أظهر لا مبالاة، وحتى العداوة لمصالحنا». ومن جانبه، قام توماس داين، رئيس لجنة «إيباك» في ذلك الوقت، بتوضيح ما حدث «احتشد جميع اليهود في أميركا، من الساحل الشرقي إلى الغربي، لطرد بيرسي. أما السياسيون الأميركيون - وهم من يشغلون مناصب عامة حالياً، وأولئك الذين يطمحون في ذلك - فقد تسلموا الرسالة».

ويمتد نفوذ لجنة «إيباك» في الكونغرس الأميركي إلى أبعد من ذلك كثيراً، وحسب دوغلاس بلومفيلد، وهو مسؤول سابق في لجنة «إيباك»: «من الشائع بالنسبة لأعضاء الكونغرس وموظفيهم أن يلجأوا إلى (إيباك) أولاً عندما يحتاجون إلى معلومات، قبل طلبها من مكتبة الكونغرس، أو مصلحة الأبحاث التابعة للكونغرس، أو موظفي اللجان أو خبراء الإدارة». والأكثر أهميّة ذكره أن «إيباك»: «يُطلب منها في كثير من الأحيان صياغة الخطابات، ودراسة التشريعات، وتقديم النصح بشأن التكتيكات السياسية، وإجراء الأبحاث، وتجميع الرعاة المشاركين، وفرز الأصوات».

خلاصة هذا الأمر، أن لجنة «إيباك»، هي وكيل حكومة أجنبية على الأرض الواقع، تمتلك قبضة خانقة على الكونغرس، ونتيجة لذلك فإن السياسة الأميركية تجاه إسرائيل لا تُناقش هناك، برغم أن تلك السياسة لها نتائج مهمة بالنسبة للعالم بأسره، وبعبارة أخرى، فإن واحداً من الفروع الرئيسية الثلاثة للحكومة الأميركية ملتزم بشدة بدعم إسرائيل، وعند تركه للمنصب، صرّح عضو مجلس الشيوخ الديموقراطي السابق، إرنست هولينغز: «لا يمكنك هنا أن تنتهج سياسة نحو إسرائيل باستثناء تلك التي تمليها عليك لجنة العمل السياسي الأميركية - الإسرائيلية»؛ أو كما أخبر إيرييل شارون الجمهور الأميركي ذات مرّة «عندما يسألني الناس كيف يمكنهم أن يساعدوا إسرائيل، أقول لهم: ساعدوا (إيباك)».

أقوال شهيرة عن اللوبي الإسرائيلي

 

• السيناتور ديك آرمي يقول في سبتمبر 2002: «أهم أولوياتي في السياسة الخارجية تتمثل في حماية إسرائيل».

• توماس داين، رئيس لجنة «إيباك» عام 1984: «احتشد جميع اليهود في أميركا، من الساحل الشرقي إلى الغربي، لطرد بيرسي، أما السياسيون الأميركيون - وهم من يشغلون مناصب عامة حالياً، وأولئك الذين يطمحون إلى ذلك - فقد تسلموا الرسالة».

• دوغلاس بلومفيلد العضو السابق في لجنة «إيباك»: «في كثير من الأحيان يُطلب من (إيباك) صياغة الخطابات، ودراسة التشريعات، وتقديم النصح بشأن التكتيكات السياسية، وإجراء الأبحاث، وتجميع الرعاة المشاركين، وفرز الأصوات».

• أرييل شارون أخبر الجمهور الأميركي ذات مرّة: «عندما يسألني الناس كيف يمكنهم أن يساعدوا إسرائيل، أقول لهم: ساعدوا (إيباك)».

• موريس أميتاي، الرئيس السابق لـ «إيباك»: «هناك كثير من الرجال على المستوى العامل (في مبنى الكابيتول)... ممن تصادف أنهم من اليهود الراغبين في النظر إلى بعض القضايا من منظور يهوديتهم... هؤلاء جميعاً رجال قادرون على أن يتخذوا القرار في هذه المجالات نيابة عن أعضاء مجلس الشيوخ... يمكنك إنجاز قدر هائل من العمل على مستوى الموظفين فحسب».