Ad

هل سببت استقالة فالون خيبة أمل إزاء حلحلة الوضع العراقي من خلال التصعيد في العلاقات الأميركية- الإيرانية، لاسيما أن تفسير استقالة أو إقالة فالون الذي وصفه خصومه بأنه يتمتع بموهبة كبيرة ويملك رؤية استراتيجية نادرة، تعني أن الرئيس بوش سيمضي في سياسته المتشددة إزاء إيران؟

كانت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد حدثاً مهماً على صعيد العلاقات الإيرانية-العراقية، لاسيما بعد الضجة التي أثيرت عقب تصريحات الرئيس العراقي جلال الطالباني بشأن معاهدة الجزائر لعام 1975 التي اعتبرها ملغاة، وعاد واعتذر في اليوم الثاني، ومن جهة أخرى فإن العلاقات الإيرانية-العراقية رغم اختلاف الأنظمة والعهود ظلت تعاني التوتر والاحتقان والحروب طيلة قرون من الزمان، باستثناء بضع سنوات من التحالفات القلقة عشية حلف بغداد عام 1954.

ومن جهة ثالثة فإن العلاقات العراقية-الايرانية تدخل في صميم الاستراتيجية الأميركية إزاء العراق والمنطقة وما يسمى بمكافحة الإرهاب الدولي، خصوصاً أن الزيارة سبقت الإعلان عن بدء التحضيرات «لمفاوضات» لإبرام اتفاقية عراقية-أميركية يفترض أن تنجز في يوليو القادم، لتستبدل القرار 1546 الصادر في 8 يونيو 2004 والقرار 1770 الصادر في 10 أغسطس 2007 ولتضع حداً لما عُرف بالفصل السابع الخاص بالعقوبات طبقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الحصار الدولي الذي استمر 13 عاماً، ولتنقل العلاقات من طور إلى آخر أساسه تعاون بين «طرفين» رغم أن أحدهما هو القوي ويستطيع أن يفرض إرادته والآخر ضعيف ولا يملك من مقوّمات السيادة ما يمكنه الوقوف ضد الطرف القوي.

وكانت توصيات بيكر- هاملتون قد ذهبت إلى اعتماد مبدأ الحوار مع دول الجوار خصوصاً إيران وسورية لإشراكهما في التوصل إلى تخفيف موجة العنف الطائفي في العراق. وكان من المفترض أن تجري جولة مفاوضات رابعة بين طهران وواشنطن في بغداد، بعد ثلاث جولات أجريت العام 2007، لكن الجانب الأميركي لم يحضر وحمّلت طهران الولايات المتحدة سبب عدم مواصلة المفاوضات وذلك حين ألقى وفدها الذي غادر بغداد اللوم على واشنطن.

ويبدو للمحلل والباحث أن طائفة من التطورات السريعة التي مرّت خلال الاسابيع الماضية، فمن جهة ازدادت علاقة تركيا بالأكراد العراقيين تصدّعاً، خصوصاً بعد توغلها داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني- التركي، وكان رد الفعل الحكومي العراقي بارداً واعتبره بعضهم أقرب الى التواطؤ، وكذلك بالنسبة لموقف طهران التي هي شديدة الحساسية في العادة من النفوذ التركي المنافس لها كما تعتقد، لاسيما لوجود الخلافات التاريخية، لكنها تنسجم معه فيما يخص الموقف من الأكراد، وكذلك لم تحرك دول إقليمية ورافضة للاحتلال مثل سورية ساكناً بشأن التدخل التركي،الذي سبق لها أن دفعت ثمنه خلال ضغوط تركيا عليها في أواخر التسعينيات والتي أدت الى إخراج عبدالله أوجلان من أراضيها وهددت بشن، حرب حاشدة قوات عسكرية كثيرة على الحدود.

وكانت تركيا قد ضغطت على العراق وسورية منذ أوائل السبعينيات خصوصاً في الثمانينات إثر الشروع ببناء سد الغاب و22 سداً على حوض نهر دجلة والفرات مما أثر على انخفاض منسوب المياه في سورية والعراق وأحدث أزمة دبلوماسية وسياسية واقتصادية كبيرة باعتبار المياه أحد وجوه المعركة الدائرة فضلاً عن علاقة تركيا بإسرائيل التاريخية منذ العام 1949، رغم أن حكومة حزب العدالة والتنمية أكثر توازناً واعتدالاً في علاقاتها مع العرب.

ولعل انعكاسات سياسة واشنطن على طهران قد وجدت طريقها الى داخل الطاقم العسكري الأميركي، فقد استقال الأدميرال فالون من قيادة القوات الأميركية في كل من العراق وإيران بسبب معارضته الشديدة لسياسة الرئيس بوش حيال إيران.

وكان فالون الذي خدم 42 عاماً في القوات المسلحة الأميركية قد كتب مقالة صحفية في صحيفة «ايسكواير» أشار فيها الى وجهات نظره المعارضة لسياسة الرئيس بوش التصعيدية إزاء إيران، وقد برر القائد العسكري الأميركي أسباب استقالته الى خلافات بين آرائه وأهداف السياسة التي يتبعها الرئيس بوش مما أدى الى إرباك جهود القيادة في المنطقة في مرحلة حرجة، كما قال.

وكانت مناسبة استقالة فالون فرصة جديدة للإشادة به وبدوره من جانب الرئيس نفسه ووزير دفاعه روبرت غيتس ومن جانب الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس، لاسيما صراحته التي دفع ثمنها. واستغلت مرشحة الرئاسة السيدة هيلاري كلينتون ذلك فأصدرت بياناً قالت فيه إن الأدميرال فالون كان يمثل صوت العقل في إدارة تستخدم خطاباً استفزازياً حيال إيران، وعبرت عن أملها في أن يتبنى خليفته وجهة نظر الأدميرال الذي يصر على سياسة متوازنة. ومن الجدير بالذكر أن الجنرال مارتن ديمبسي نائب قائد العمليات العسكرية في الشرق الأوسط سيحل محل فالون اعتباراً من 31 مارس الجاري.

هل سببت استقالة فالون خيبة أمل إزاء حلحلة الوضع العراقي من خلال التصعيد في العلاقات الأميركية- الإيرانية، لاسيما أن تفسير استقالة أو إقالة فالون الذي وصفه خصومه بأنه يتمتع بموهبة كبيرة ويملك رؤية استراتيجية نادرة، تعني أن الرئيس بوش سيمضي في سياسته المتشددة إزاء إيران، وأن توصيات بيكر-هاملتون قد تم وضعها على الرف نهائياً رغم أن جزئياتها تتحدث بإشراك دول الجوار في الحل وفتح حوار معها، لاسيما أنها دخلت فعلاً على خط العلاقات الإيرانية-الأميركية، إلاّ أن الهوة لاتزال سحيقة والمسافة متباعدة وهو ما كشفته زيارة الرئيس الإيراني نجاد إلى العراق وما أعقبه من تلكؤ المفاوضات الأميركية-الإيرانية، الأمر الذي يجعل المخاطر محدقة والصورة كالحة والأفق غائم؟ وإلاّ لماذا يستقيل القائد العسكري الأميركي في الشرق الاوسط، أليس بسبب إيران!؟ وهذا هو الذي يطرح التساؤل مجدداً: ألم يبق ثمة صوت للعقل لاسيما بعد تجربة العراق المريرة؟!

* كاتب ومفكر عربي