أرض البخور
يبقى إمكان إصلاح الأوضاع واستقرارها في الصومال ممكنا وقابلاً للتنفيذ، وهو أمر يحتاج إلى اهتمام أكبر من المجتمع الدولي وإدراك أكثر من القوى الإقليمية وإحساس أرهف من القوى الصومالية المتنازعة.
ينقسم الصومال إلى خمسة «صومالات» إن جاز التعبير، فهناك الصومال الإنكليزي الذي أعلن نفسه دولة مستقلة عام 1991 باسم جمهورية «أرص الصومال» وعاصمته هيرجيسا، وتقع في أقصى الشمال وما زالت أرض الصومال لا تحظى باعتراف دولي حتى هذه اللحظة، وإن كانت قد حققت سلاماً على الأرض لم تستطع أن تحققه «الصومالات» الأخرى، أما الصومال الآخر فهو الصومال الفرنسي، وهو الذي أصبح يعرف اليوم باسم جيبوتي، وهي دولة مستقلة يعترف العالم بها. وإلى الشمال قليلاً يقع الصومال الإثيوبي، وهو ما يعرف باسم «أوغادين»، وهو إقليم تابع لإثيوبيا، بيد أن مجمل الصوماليين يطلقون عليه صفة الإقليم الخامس على أساس أنه جزء قد اقتطع من الصومال الكبرى التاريخية ولابد له يوماً أن يعود إلى «حضن أمه». وقد كان هذا المفهوم وراء شن حرب «أوغادين» بين إثيوبيا والصومال التي كادت تتسبب في حرب عالمية ثالثة، لأنها حدثت خلال الحرب الباردة، وكون الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يقفان على طرفي نقيض في المسألة الصومالية. أما الصومال الرابع فهو الصومال الكيني ويقع داخل كينيا ومن يقطنه من الصوماليين يحمل الجنسية الكينية. أما الجزء الأخير فهو ما يطلق عليه عادة الصومال الإيطالي؛ ويشمل أقاليم كالبونت لاند، آي أرض البخور، وإقليم باي، وباكول، ومقديشو وحتى كيسمايو، ولعل مجمل المشاكل والقلاقل وعدم الاستقرار هو في هذه البقعة وبالذات من مقديشو جنوباً الى كيسمايو على مشارف الحدود الكينية. وحتى في ما يسمى بإقليم الوسط والجنوب، فإننا نرى تفاوتاً في الاستقرار بين منطقة وأخرى، فبلاد البونت، وعاصمتها جاراوي وأهم مدنها بوصاصو أو بندر قاسم، قد شهدت استقراراً نسبياً مشابهاً للاستقرار الذي حدث في «أرض الصومال»، لكنه لم يصمد طويلاً فحدثت مناوشات عام 2002، كانت بسبب خلافات على أحقية الرئاسة، وتغلب فيها في محصلة الأمر الرئيس الصومالي الحالي عبدالله يوسف أحمد على معارضيه وثبّت نفسه رئيساً على البونت لاند حتى دخل في المنافسة على رئاسة الصومال في مؤتمر نيروبي ففاز بها وأصبح رئيس البونت لاند هو عادي موسى.وخلافاً لجمهورية أرض الصومال لا تطالب البونت لاند بالاستقلال عن جمهورية الصومال، بل تري نفسها جزءاً من الصومال الكبرى وأنها إنما تمارس حكماً ذاتياً، وأن حكومتها ليست إلا إدارة محلية ومع ذلك فقد ثارت مجموعة من الإشكاليات بين حكومة الصومال الانتقالية وحكومة البونت لاند عن العديد من القضايا كان آخرها موضوع الامتيازات النفطية. أما مقديشو أو «درة التاج الصومالي» فقد عانت وما زالت الأمرين من التدمير والخراب والتفكيك والكر والفر، وينسحب الأمر كذلك على المنطقة الجميلة كيسمايو، وإن كان بدرجة أقل.ويبقى إمكان إصلاح الأوضاع واستقرارها في الصومال ممكنا وقابلاً للتنفيذ، وهو أمر يحتاج إلى اهتمام أكبر من المجتمع الدولي وإدراك أكثر من القوى الإقليمية، وإحساس أرهف من القوى الصومالية المتنازعة، ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك؟... للحديث بقية.