أثناء محاولة الحكومة تغيير الدستور أوجدت 25 عاهة مستديمة في الجسم السياسي الكويتيفي قضية تعديل الدستور هناك أوهام وظنون وجنون، فهناك من يظن، وبعض الظن إثم، أن العقبة التي تواجه كويتنا العزيزة في طريقها إلى الانطلاق للفضاء الأرحب والتقدم والنجاح، تتمثل في وجود مجلس الأمة، وأنه بمجرد إلغاء مجلس الأمة أو تقييد صلاحياته فإن الكويت ستتحول إلى جنة الله على أرضه، أما من جانب الحكم، أو لنكن أكثر دقة، بعض أطراف الحكم، فإن الدستور وبالتبعية مجلس الأمة فإنهم يريدون قتل الدستور سبيلاً لتصحيح ما ظنوه خطأ تاريخياً.
الأنكى من ذلك والأمَرُّ أن تلك الظنون تحولت إلى سياسات تمشي على قدمين سواء في 1976 أو 1986 ولم تجلب لنا إلا المآسي، فأزمة للمناخ أكلت الأخضر واليابس وغزو كريه لم يبق ولم يذر، فلماذا يفكر البعض مجرد تفكير بإعادة الكرة مرة أخرى، بالتأكيد هناك طريق للخروج من المأزق وهو ما نسعى إلى تبيانه في سلسلة المقالات هذه.
فمن الواضح أن الطريق لإلغاء الدستور أو حتى تعديله من طرف واحد ليس مفروشاً بالورود، فبعد فشل لجنة النظر في تنقيح الدستور في تحقيق أهدافها، قررت الحكومة اللجوء إلى مجلس الأمة ولكن من خلال «هندسة سياسية» للدوائر الانتخابية وتفريخ دوائر جديدة من رحم الدوائر القديمة للمجيء بنواب يبصمون على مشروع الحكومة، وهكذا كان. وتقدمت الحكومة لمجلس الأمة بمشروعها وأفصحت عن مكنون صدرها، وتم التصويت على ذلك المشروع من حيث المبدأ في جلسة 14 ديسمبر 1982، وخلافا لما جرى من قاعدة عدم تصويت الحكومة على مشروع الدستور في المجلس التأسيسي أو على الأقل عدم تصويت افراد الأسرة الحاكمة، فإن أصوات الحكومة هي التي حسمت التصويت لصالح الموافقة على المشروع المذكور، والذي كان في التحليل النهائي مشروعاً قاصماً لظهر التوازن الدستوري لصالح الحكومة، ولم تم منع الحكومة من التصويت لما مر المشروع أساساً فقد صوت لصالح المشروع الحكومي 21 عضواً محسوبا على الحكومة ورفضه 27 عضواً، فإذا أضفنا 16 صوتاً حكومياً فإن النتيجة تصبح 37 مقابل 27 هي نتيجة ذات دلالة، فمع كل المحاولات التي بذلتها الحكومة إلا أنها لم تنجح في توفير الأغلبية النيابية المطلوبة لتمرير المشروع.
أما على الأرض فقد نشطت حملة شعبية ضد مشروع تنقيح الدستور أضعفت موقف النواب المحسوبين على الحكومة وبدؤوا هم من جانبهم يضغطون على الحكومة لسحب المشروع، وقد أدى هذا الحراك السياسي الضاغط إلى أن تقوم لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة برفض المشروع، ما نتج عنه قيام الحكومة بسحب مشروعها قبل التصويت عليه للمرة الثانية أي من حيث الموضوع.
ويعود السؤال هنا مجددا، لماذا سحبت الحكومة مشروعها بعد كل هذا التعب والجهد ومضيعة الوقت والمال والذي لم يخل من ضغوط على الناس وشراء الذمم؟ ولماذا بعد أن جرى العبث المؤسف بالدوائر الانتخابية ما ترتب عليه إفساد شبه كامل لمجلس الامة وتدعيم القبلية والطائفية والفئوية في العمل السياسي حتى الآن، هكذا وبدون مقدمات تتراجع الحكومة عن مشروعها وتسحبه؟ كان ذلك الفشل محسوبا على الحكومة ووليدها مجلس 1981 الذي كان يفترض به ان يرفض قانون تعديل الدوائر ولكنهم - أي النواب _ آثروا السلامة.
فاذا افترضنا مثلا ان تعديل الدوائر عام 1981 من قبل الحكومة من 10 دوائر الى 25 دائرة كان الهدف منه تنقيح الدستور، فإن الحكومة بذلك قد احدثت عاهة مستديمة في الجسم السياسي ظلت آثارها معنا حتى الساعة سواء تم تغيير الدستور أم لم يتغير. ومع ان نتائج انتخابات 1985 لم تأت حسب ما تشتهي الحكومة والتي يبدو انها لا تفكر أبعد من شهرين ان كنا متفائلين، فقد ظلت ذات الظنون هي السائدة، والرغبات في التخلص من الدستور والبرلمان هي القاعدة لا الاستثناء.
كان واضحا ان الاتجاه المعادي للدستور أصبح مسيطرا، فلم يهنأ لذلك الاتجاه بال حتى كانت الهجمة الأقسى عام 1986.