وجهة نظر : تفعيل مواجهة التضخم الزاحف في الكويت
يشكل التضخم النقدي، أي ارتفاع أسعار السلع والخدمات، في دولة الكويت هاجسا كبيرا، قد يفوق هاجس التضخم في بلدان أخرى كثيرة، ويرجع السبب في ذلك، بدرجة أساسية، إلى اعتماد الكويت اعتمادا شبه كلي على وارداتها من بلدان عدة، للحصول على احتياجات المجتمع المتزايدة من السلع الاستهلاكية والرأسمالية. ومن نافل القول، أن أسعار المنتجات في هذه البلدان تتأثر قطعا بارتفاع سعر النفط بوصفه مصدر الطاقة والوقود الرئيسي في العالم، كما تتأثر بارتفاع أسعار مدخلات الانتاج الأخرى ومن أهمها المواد الأولية، سواء منها الزراعية أو المنجمية، والتي شهدت أسعارها في السنوات الخمس الأخيرة، وما زالت تشهد، صعودا قياسيا تحفزه الزيادة في الطلب العالمي عليها.كما أن التضخم، وهو مصدر القلق الأكبر لدى ذوي الدخل المحدود، يمس مستوى معيشة أغلبية المواطنين الذين يعملون في أجهزة الدولة ووزاراتها المختلفة، أو ممن كانوا يعملون فيها قبل تقاعدهم، وهم بالتالي من أصحاب الدخول المحدودة والثابتة، أي التي لا تتضخم مع تضخم أسعار السلع والخدمات، كما أن معدلات الإنفاق على الاستهلاك في الكويت وخصوصا لدى شرائح الدخل العالي والمتوسط، بل وحتى المحدود، تتسم بالارتفاع، بسبب استشراء نزعة المحاكاة في الاستهلاك الترفي، ويساعد في ذلك انتشار ظاهرتي القروض الاستهلاكية والمبيعات المقسطة.
وتملك الدولة عادة حزمة من أدوات السياسة الاقتصادية الانكماشية التي تهدف إلى مكافحة التضخم النقدي، من بينها رفع سعر الفائدة لتحقيق خفض في معدلات الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وتوسع في الادخار، أو رفع نسبة الاحتياطيات المصرفية الإلزامية بهدف تقليص حجم الكتلة النقدية المتاحة للتداول، أو تسويق سندات الدين الحكومي بهدف امتصاص جزء من الكتلة النقدية، أو خفض معدلات الإنفاق الحكومي في الأبواب المرنة من الموازنة العامة، كما تملك الدولة في غير حال الكويت رفع معدل ضريبة الدخل الشخصي.غير أن خصوصية الحالة الكويتية، بجانبيها السياسي والاقتصادي، تحد من قدرة الدولة على استخدام هذه الحزمة من الأدوات لمعالجة التضخم النقدي، أولا لأن الانفتاح التجاري والمالي على العالم الخارجي، وانعدام القيود على انتقال رأس المال يلزم صانع الساسة النقدية بمجاراة التطورات النقدية في الدول الرئيسية وخصوصا الولايات المتحدة، فتصبح تحركات سعر الفائدة رهنا، بدرجة ملموسة، بتقلبات الفائدة على الدولار الأميركي، وثانيا لأن ملكية الدولة لمصدر الدخل وهو النفط تملي عليها وظيفة توزيعية، تلزمها في حال ارتفاع سعر النفط بالتوسع في الإنفاق الحكومي، رغم الآثار التضخمية لمثل هذا التوسع، وليس من الميسور على الحكومة في هذا السياق أن تغل يدها في مواجهة برلمان دأب على مطالبتها بأن تبسطها كل البسط. وثالثا لأن تسويق سندات الدين الحكومي أمر غير مبرر من حيث الكلفة الاقتصادية في ظل وجود الوفرة الراهنة في العوائد النفطية.أما الأثر الايجابي لتخلي الدولة عن ربط الدينار الكويتي بالدولار الأميركي منذ شهر مايو الماضي، والذي طرح كحل لمواجهة الضغوط التضخمية المتزايدة، فليس بوسعه أن يكون كافيا لمعالجة التضخم في الكويت، في ظل هذه الزيادات الكبيرة في حجم الكتلة النقدية المتداولة، وزيادة حجم الائتمان المصرفي بمستويات قياسية، إلى كل ذلك يضاف غياب الأدوات الضريبية من سلة السياسة المالية المحلية، ولاشك أن الأمر يستدعي التمعن في كيفية تفعيل قدرة صانع السياسة الاقتصادية المحلية على مواجهة التضخم الزاحف، دون اللجوء وبصفة شبه مستديمة إلى زيادة الرواتب والأجور، فهذه بحد ذاتها أداة تضخمية أيضا.