وجهة نظر : تفعيل مواجهة التضخم الزاحف في الكويت
![د. عباس المجرن](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1539954013728413300/1539954035000/1280x960.jpg)
وتملك الدولة عادة حزمة من أدوات السياسة الاقتصادية الانكماشية التي تهدف إلى مكافحة التضخم النقدي، من بينها رفع سعر الفائدة لتحقيق خفض في معدلات الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وتوسع في الادخار، أو رفع نسبة الاحتياطيات المصرفية الإلزامية بهدف تقليص حجم الكتلة النقدية المتاحة للتداول، أو تسويق سندات الدين الحكومي بهدف امتصاص جزء من الكتلة النقدية، أو خفض معدلات الإنفاق الحكومي في الأبواب المرنة من الموازنة العامة، كما تملك الدولة في غير حال الكويت رفع معدل ضريبة الدخل الشخصي.غير أن خصوصية الحالة الكويتية، بجانبيها السياسي والاقتصادي، تحد من قدرة الدولة على استخدام هذه الحزمة من الأدوات لمعالجة التضخم النقدي، أولا لأن الانفتاح التجاري والمالي على العالم الخارجي، وانعدام القيود على انتقال رأس المال يلزم صانع الساسة النقدية بمجاراة التطورات النقدية في الدول الرئيسية وخصوصا الولايات المتحدة، فتصبح تحركات سعر الفائدة رهنا، بدرجة ملموسة، بتقلبات الفائدة على الدولار الأميركي، وثانيا لأن ملكية الدولة لمصدر الدخل وهو النفط تملي عليها وظيفة توزيعية، تلزمها في حال ارتفاع سعر النفط بالتوسع في الإنفاق الحكومي، رغم الآثار التضخمية لمثل هذا التوسع، وليس من الميسور على الحكومة في هذا السياق أن تغل يدها في مواجهة برلمان دأب على مطالبتها بأن تبسطها كل البسط. وثالثا لأن تسويق سندات الدين الحكومي أمر غير مبرر من حيث الكلفة الاقتصادية في ظل وجود الوفرة الراهنة في العوائد النفطية.أما الأثر الايجابي لتخلي الدولة عن ربط الدينار الكويتي بالدولار الأميركي منذ شهر مايو الماضي، والذي طرح كحل لمواجهة الضغوط التضخمية المتزايدة، فليس بوسعه أن يكون كافيا لمعالجة التضخم في الكويت، في ظل هذه الزيادات الكبيرة في حجم الكتلة النقدية المتداولة، وزيادة حجم الائتمان المصرفي بمستويات قياسية، إلى كل ذلك يضاف غياب الأدوات الضريبية من سلة السياسة المالية المحلية، ولاشك أن الأمر يستدعي التمعن في كيفية تفعيل قدرة صانع السياسة الاقتصادية المحلية على مواجهة التضخم الزاحف، دون اللجوء وبصفة شبه مستديمة إلى زيادة الرواتب والأجور، فهذه بحد ذاتها أداة تضخمية أيضا.