أتمنى أن تدرك الوزارة أنها بإصدارها هذه اللائحة تكون وكأنها قامت برفع العتب عن نفسها من دون أن تكون جادة في الموضوع، ولربما كان من الأجدى للوزارة أن تصدر لائحة استرشادية تدعو فيها القنوات إلى أخذها بالاعتبار بحكم أنها تمثل معايير أخلاقية ومهنية من دون أن تتحول إلى قرار ملزم إلا في بعض الأمور الإجرائية.أفترض حسن النية من وراء قيام وزارة الإعلام بإصدار لائحة لتنظيم عمل الفضائيات خلال فترة الانتخابات، ظناً من الوزارة أن إصدار اللوائح المنظمة هو الطريق الأمثل لضبط القنوات الفضائية عن الشطط والخروج عن دورها المتوقع والمطلوب.
إلا أن اللائحة تحولت إلى «قص ولزق» بين أفكار متناثرة، وعدم وضوح، وما لا يمكن تطبيقه، مما قد يدخلها في خانة الخروج عن هدفها وتحولها إلى أداة لحجر الرأي والحد من حرية التعبير.
وتبرز نقاط الضعف في اللائحة المذكورة اشتراطها التزام القنوات بمراعاة المساواة في التغطية بين المرشحين، وهي وإن كانت تبدو فكرة جيدة، إلا أنها تصلح للأنظمة الانتخابية القائمة على المنافسة الحزبية ولا تصلح على الإطلاق لنظام انتخابي كالكويت، فالمعركة الانتخابية هنا تقوم على الترشح الفردي، ولا يمكن لأي قناة أن تتوافق مع هذا الشرط حتى لو أرادت.
أما نقطة الضعف الأخرى فهي اشتراطها ألا تتضمن التغطية ما يسيء إلى المرشحين أو غيرهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والأسئلة المطروحة هنا: ما المقصود بالإساءة؟ وما حدودها؟ ثم من هم «غيرهم»؟ هل هي الحكومة مثلاً؟ أم هوغو تشافيز؟ أم مَنْ بالتحديد؟ وما الفرق مثلا بين الصورة المباشرة للإساءة والصورة غير المباشرة؟ وهل لدى الذين قاموا بصياغة القرار قائمة ولو استرشادية لتلك الإساءات غير المباشرة؟ فهل إذا تحدث متحدث في إحدى القنوات وذكر اسم مرشح مثلاً، ثم ضحك ضحكة عالية، هل يعتبر ذلك مثلاً من الإساءات غير المباشرة؟ ويبدو أن من صاغ تلك اللائحة قد ظن أن القول «من خلال الكلمات أو الرموز الرسوم أو غيرها من الوسائل» كان كافياً؟
ويحاول القرار أيضا الاشتراط على القنوات أن تميّز بين الخبر الإعلامي والإعلان الانتخابي، وهي مسألة على بساطتها شكلية إلا أنها أكثر تعقيداً مما يتوقع أصحاب القرار.
يتبقى هناك نقطة وجيهة واحدة في بنود القرار، وهي الخاصة بضرورة الإعلان عن الجهة التي تنظم استطلاع الرأي وعرض منهجيته.
مرة أخرى، أفترض حسن النية لدى وزارة الإعلام، وأتمنى أن تدرك الوزارة أنها بإصدارها هذه اللائحة تكون وكأنها قامت برفع العتب عن نفسها من دون أن تكون جادة في الموضوع، ولربما كان من الأجدى للوزارة أن تصدر لائحة استرشادية تدعو فيها القنوات إلى أخذها بالاعتبار بحكم أنها تمثل معايير أخلاقية ومهنية من دون أن تتحول إلى قرار ملزم إلا في بعض الأمور الإجرائية.
أما إن كانت المسألة جدية، كما يبدو من نبرة ولغة القرار المذكور، فهي قد تتم عن سذاجة مفرطة، في أسلوب التعامل مع مشاكلنا وهي على أي حال ليست إلا حالة سائدة في البلد.
أتمنى على معالي الوزير أن يعيد النظر في اللائحة المذكورة، ويجعلها أكثر جدية وحصافة حتى لا تتحول المسألة إلى «فوضى إعلامية» وحتى لا يتحول القرار ذاته أداة لقمع حرية التعبير.