المشكلة في الأمل
إن أميركا الأفضل بالنسبة لأوروبا هي أميركا الواثقة في نفسها، أميركا التي تتخلص من ثقافة الخوف وتعيد اكتشاف جذور ثقافة الأمل، وهذه هي أميركا تحت زعامة أوباما. ولكن بعد ثمانية أعوام من العزلة الأميركية المفروضة على الذات تحت زعامة بوش، تصبح هذه المجازفة جديرة بأن تخاض.
يتابع الأوروبيون تطورات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باهتمام بالغ، وهم ينظرون إليها باعتبارها ملحمة طويلة عامرة بالمفاجآت، وعلى هذا الجانب من الأطلنطي، كثيراً ما يُـنظَر إلى السمات الإنسانية والفكرية التي يتمتع بها المرشحون الثلاثة المتبقين بقدر من الحسد، حيث قد نسمع عبارات مثل: «هل يمكننا أن نقترض أحد مرشحيكم؟». ويرى العديد من الأوروبيين أن المرشحين الثلاثة متميزون، وأن أميركا، على العكس من الانتخابات السابقة، تعاني الحرج بسبب الوفرة في الموارد الزعامية.إلا أن اهتمام الأوروبيين بهذه الانتخابات لا يحجب حقيقة جلية مفادها أن ما يتوقعه الأوروبيون من هذه الانتخابات بعيد كل البعد عن الوضوح، فربما يريد الأوروبيون أن تكون أميركا أكثر «طبيعية»، وأقرب إلى قيمهم، إلا أنهم في نفس الوقت لا يشعرون بالارتياح إزاء المهمات التي قد تتراكم على عاتقهم نتيجة لتواضع أميركا في عالم القوة العسكرية «الصارمة».
أميركا كقدوة أم أميركا كمصدر للحماية هذه «معضلة أوروبية» جديدة في حد ذاتها. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان أغلب الأوروبيين ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها الكيان الذي يدافع عنهم ضد أهداف الاتحاد السوفييتي التوسعية، واللاعب الخارجي الرئيسي في إعادة بناء قارتهم الجريحة على الصعيدين الاقتصادي والأخلاقي.إلا أن الحال قد تبدلت. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والجراح التي ألحقتها الولايات المتحدة بنفسها خصوصا في العراق والنهضة المذهلة التي حققتها آسيا، تغيرت النظرة الأوروبية إلى الولايات المتحدة. فلم تعد أميركا تمثل مصدر الحماية أو النموذج الذي تعودت أن تمثله، ولم تعد تتربع وحدها على عرش النفوذ والقوة.حتى أننا نستطيع أن نقول إن الاتحاد الأوروبي تحول ببطء إلى قوة «معيارية» في العالم في ضوء تطور القوة الأميركية. إذ إن أوروبا كانت تدرك منذ أمد بعيد أنها لا تستطيع أن تضاهي أميركا في عالم «القوة الصارمة»؛ ولكن مع انحدار قوة أميركا الناعمة، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يجسد الغرب وجهه «الإنساني» الملتزم بالقانون.وفي هذا السياق أصبحت أوروبا تنظر إلى نفسها، ولو جزئياً، باعتبارها الحلم البديل لكل من لم تعد أميركا تشكل في نظره حلماً. بيد أن نموذج الاتحاد الأوروبي كثيراً ما يبدو أقل إقناعاً حين يُـنظَر إليه من الداخل.ولهذا السبب مازال العديد من الأوروبيين يشعرون بالحنين إلى أميركا باعتبارها نموذجاً وقدوة. وفي نظر هؤلاء الأوروبيين يُـعَد باراك أوباما، الذي يرفع شعار «الأمل» في حملته الانتخابية، الخيار المثالي لاسترداد قوة أميركا الناعمة. فهو ذاته يجسد الحلم الأميركي. بيد أن بعض الأوروبيين يفضلون هيلاري كلينتون أو حتى جون ماكين، وذلك لأنهم يخشون العواقب التي قد يتحملها شركاء أميركا في أوروبا نتيجة لوجود رئيس أميركي أكثر تحفظاً وأقل خبرة. ولا تشغلهم مسألة الكفاءة والجدارة بقدر ما تشغلهم القضية عبر الأطلنطية القديمة، والتي تتلخص في «تقاسم العبء». ونستطيع أن نلخص السبب الضمني وراء تحفظات بعض الأوروبيين بشأن أوباما في السؤال التالي: «هل سنضطر إلى الاضطلاع بقدر أكبر من المسؤولية في أفغانستان وغيرها؟».هل من المحتمل أن تكون استعادة أميركا سمعتها الدولية في غير مصلحة أوروبا، بسبب تآكل احتكارها الجديد لتمثيل القيم الغربية ودعوتها إلى العودة إلى واجباتها في استعمال القوة الصارمة؟ وهل يعقل أن يكون مرشح الخوف ماكين، أو كلينتون قادراً على خدمة مصالح أوروبا على نحو أفضل من مرشح الأمل؟إذا ما تولى أوباما السلطة فلسوف يصبح من العسير بالنسبة للأوروبيين في البداية على الأقل أن يدينوا أميركا، حتى لو كانت «فرنسا الجديدة» تحت زعامة نيكولا ساركوزي قد ابتعدت بالفعل عن هذا الإغراء السهل. إلا أنه لن يكون من السهل بالنسبة لهم أيضاً أن يرفضوا الدعوة إلى الاضطلاع بقدر أعظم من الأعباء العالمية.الحقيقة أن هذه النظرة «الدفاعية» إلى العلاقات عبر ضفتي الأطلنطي تحتمل النقاش. إذ إن أميركا الأفضل بالنسبة لأوروبا هي أميركا الواثقة في نفسها أميركا التي تتخلص من ثقافة الخوف وتعيد اكتشاف جذور ثقافة الأمل. وهذه هي أميركا تحت زعامة أوباما. بطبيعة الحال، كلما ازدادت التوقعات تعاظمت احتمالات الإحباط وخيبة الأمل. ولكن بعد ثمانية أعوام من العزلة الأميركية المفروضة على الذات تحت زعامة بوش، تصبح هذه المجازفة جديرة بأن تخاض.وحتى لو لم تعد أميركا تشكل القوى العظمى الوحيدة في العالم، فلسوف تظل الدولة التي لا يستطيع العالم أن يستغني عنها. ولهذا فإن الأوروبيين محقون في افتتانهم بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وبصرف النظر عمن سيفوز فلسوف يتردد صدى العواقب المترتبة على نتائج هذه الانتخابات في العالم أجمع.* دومينيك مويزي | Dominique Moisi ، مؤسس وكبير مستشاري المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، ويعمل حالياً أستاذاً بكلية أوروبا في ناتولين بمدينة وارسو.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»