ماذا حدث للمعجزة الاقتصادية الألمانية؟ التي أعادت بناء نفسها من فوق الأنقاض والخراب الناجمين عن حربين عالميتين، بحيث استردت ألمانيا قوتها الاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد ساهمت المنتجات الألمانية العالية الج ودة من المعدات الدقيقة إلى السيارات، في فتح الأسواق العالمية ثانية، وقادت البلاد إلى تحقيقها نمواً مذهلاً وتوظيف الأغلبية العظمى من مواطنيها. عادت ألمانيا (أو ألمانيا الغربية حتى عام 1989) إلى موقعها كمركز للنفوذ الاقتصادي لأوروبا، وأصبحت تمثل ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان. لكن الحال تبدّل في السنوات الأخيرة، فقد تباطأ النمو، وارتفعت معدلات البطالة، وأسيء استخدام الكيان الاقتصادي الموحد لشرق وغرب ألمانيا. لقد تفوق العديد من جيران ألمانيا الأوروبيين على أقوى اقتصاد أوروبي من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. تلك التطورات كلها دفعت المؤلف، وهو أحد أبرز علماء الاقتصاد الألمان، إلى إجراء تحليل جريء لمشاكل بلاده الاقتصادية، مقترحا عددا من الإجراءات المتعلقة بالإصلاح الضريبي ونظام الرفاه بهدف إعادة ألمانيا إلى حماستها وحيويتها السابقتين.

Ad

اخترعت ألمانيا ما بات يعرف بـ«دولة الرفاه» في ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما طبّق بسمارك نظام التأمين الصحي، والتأمين ضد العجز، والرواتب التقاعدية، والممولة جميعها من قبل الحكومة؛ فأصبح النظام الألماني نموذجاً تهتدي به الدول الصناعية الأخرى. لكن، كما يرى المؤلف، فإن دولة الرفاهية الألمانية الحالية تحمّلت تكاليف مالية هائلة أفقدتها حوافز اقتصادية مهمة. وأصبحت البطالة «مهنة» مُربحة لدرجة أن القطاع الخاص، تحت ضغط من منافسيه من الدول الأجنبية ذات أجور العمالة المتدنية، أصبح يواجه صعوبات متزايدة في دفع أجور جذابة بما فيه الكفاية.

يتتبع المؤلف العديد من مشاكل بلاده الاقتصادية، وصولا إلى نزاع عنيد جداً بين دولة الرفاه الألمانية وبين قوى العولمة. ويطرح الكتاب تساؤلات صعبة بشأن نقابات العمال، ومرتبات الضمان الاجتماعي، والمعدلات الضريبية، وارتفاع متوسط أعمار السكان، والهجرة، وهي أسئلة تحتاج الاقتصاديات المتقدمة جميعها إلا مناقشتها، ومن ثم الإجابة عنها. ولاشك أن الأجوبة التي يضمها كتاب فيرنر سين، ودعوته إلى إعادة التفكير بصورة جذرية في دولة الرفاه، يجب أن تستثير الجدال والمناقشة في أنحاء متفرقة من العالم.

الناشر: مطبعة معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، الولايات المتحدة (2007)