Ad

منذ فجر الإسلام إلى اليوم وكسوة العيد هي المظهر الأكبر للاحتفال بعيد الفطر المبارك، فالحرص عليها هو قرين إظهار الفرح، وإبراز تمايز المسلمين عن سواهم في أيام عيد الفطر.

وقد أعطت ممارسات البلاط في العصرين الأموي والعباسي زخماً جديداً لكسوة العيد وحولتها من التزام عائلي إلى أمر ترعاه الدولة بصفة رسمية، ذلك أن رسوم الدولتين كان تقضي بتفريق «الخلع» على أرباب الوظائف المدنية خلال شهر رمضان، حتى يتسنى لهم أن يلتحقوا بموكب الخليفة وقد ارتدوا ملابسهم الجديدة. لقد كانت هذه الملابس جزءاً لا يتجزأ من مظاهر الأبهة التي تحيط بموكب الخليفة، وهو يتحرك في الطريق لأداء صلاة العيد وسط رجال دولته وأعيانها.

ورغم ذلك ينبغي الاعتراف بأن الفاطميين وكعادتهم قد منحوا هذه العادة السابقة على عهدهم أبعاداً جديدة تجاوزت في انتشارها نطاق نخبة البلاط المحدودة، وأصبحت كسوة العيد عادة ترعاها الحكومة في أرجاء الدولة الفاطمية التي امتدت من شمال أفريقيا ومصر إلى بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية. فقد احتلت «كسوة العيد» المكانة الأولى بين إجراءات احتفال الفاطميين بعيد الفطر، حتى أن هذا العيد كان يعرف في عصرهم بـ «عيد الحلل» لكثرة ما يوزع فيه من كسوات جديدة على الخاصة والعامة.

والحقيقة أن الفاطميين لم يتركوا أمر الكسوة للأوامر الموسمية للخلفاء، وإنما أنشأوا إدارة خاصة بها وهي دار الكسوة.

وطوال العصر الفاطمي كانت دار الكسوة هي الجهة المنوط بها توزيع كسوات العيد على أربابها، بدءاً من الوزير ومروراً بالأمراء وكبار وصغار موظفي الدواوين وانتهاء بالفراشين والمستخدمين في الدولة. وتوكيداً لأهمية هذه الكسوة التي يهديها الخليفة لرجال دولته فقد كان صاحب ديوان الإنشاء يقوم بكتابة «رقاع» من الورق توضع في كل كسوة سيتم إرسالها إلى وجوه الدولة وكبار الموظفين.

ومن هذه الرقاع واحدة كتبها «ابن الصيرفي» لتوضع في كسوات عيد الفطر عام 535هـ، وقد جاء بها «ولم يزل أمير المؤمنين منعماً بالرغائب مولياً إحسانه كل حاضر وغائب مجزلاً بجسمه وأحراهم باستنشاق نسيمه وأخلقهم بالجزء الأوفى منه عند نصبه وتقسيمه ولما أقبل هذا العيد السعيد والعادة فيه أن يحسن الناس هيئتهم ويأخذوا عند كل مسجد زينتهم. ومن وظائف كرم أمير المؤمنين تشريف أوليائه وخدمه فيه بكسوات على حسب منازلهم تجمع بين الشرف والجمال ولا يبقى بعدها مطمع للآمال».

أما المسؤول عن «دار الكسوة» فكان يعرف بـ «صاحب المقص»، وهو مقدم الخياطين ولرجاله مكان يقومون فيه بالخياطة والتفصيل، ويعمل صاحب المقص وفقاً للأوامر الصادرة إليه من الخليفة وحسب ما تدعو إليه الحاجة.

وكانت تحمل إلى دار الكسوة المنسوجات والأقمشة التي تضع في دور الطراز بمدن تنيس ودمياط والإسكندرية. ودور الطراز هي مصانع النسيج الحكومية التي تشرف الدولة على منتجاتها، وكلمة طراز معربة من الفعل الفارسي «ترازيدن»، ومعناها يوشي أو يطرز وإن استخدمت في مطلع العصور الوسطى لتدل على العبارة الرسمية التي تتخذها الدولة شعاراً لها، وتقوم بتسجيلها على النسيج والعمل أو غير ذلك من الأشياء ذات الطابع الرسمي.

ودور الطراز على نوعين هما دار طراز العامة، وهي تقوم بإنتاج منسوجات يباع بعضها في الأسواق ويهدى البعض الآخر لموظفي الدولة في المواسم والمناسبات، ودار طراز الخاصة وإنتاجها موقوف على الخليفة وآل بيته فقط، وهذه الدور هي التي تنتج الأقمشة التي تستخدمها دار الكسوة.

وكان بدار الكسوة قسم خاص بملابس الخليفة تتولى الإشراف عليه امرأة لها لقب خاص هو «زين الخزان» وتحت إمرتها ثلاثون جارية «فلا يغير الخليفة أبداً ثيابه إلا عندها».

ومهما يكن من أمر هذه الدار ومشرفيها، فإن الدولة كانت تخصص ميزانية ضخمة للإنفاق على كسوة العيد، وقد بلغت هذه الميزانية في عام 515هـ على سبيل المثال نحو عشرين ألف دينار ذهبي، صنعت بها ملابس من الحرير الموشي بالذهب والديباج الملون (القطيفة) والقطن والكتان المطرز وأقمشة أخرى لا نعرف الآن مدلولات أسمائها مثل القلاطون والبوقلمون.

ولاشك في أن الذين كانوا ينعمون بمثل هذه الكسوات الخليفية كانوا يتباهون بها وسط عامة الشعب، لأن تلك الملابس التي تحمل في طرازها اسم الخليفة وسنة الإهداء هي في حقيقة الأمر بمنزلة النياشين والأنواط في العصر الحديث.

وتقضي الأوامر التي كانت تصدر لدار الكسوة بضرورة توصيل الكسوات إلى أصحابها قبيل ليلة العيد، حتى إذا ما خرج الخليفة لأداء صلاة العيد في المصلى خارج باب النصر ماراً عبر باب في قصره يعرف بباب العيد كانت القاهرة أشبه بمهرجان للملابس الجديدة الزاهية الألوان والتي يرتديها الأمراء والجنود وأيضاً كبار الموظفين المدنيين بل وكل أصحاب الرواتب في الدولة.

وقد تقلصت عادة إهداء الدولة لكسوة العيد بعد سقوط الخلافة الفاطمية، وعادت الأمور إلى مسيرتها الأولى ليقتصر الحال على إهداء الخلع على الأمراء وكبار الموظفين عند توليهم لمناصبهم فقط.

ولم يمنع هذا التطور أهل الخير والإحسان من السير على رسوم الفاطميين بإهداء كسوات العيد، فقد حرص مشيدو المدارس والكتاتيب من المماليك بمصر والشام على النص في وثائق أوقافهم المعينة للإنفاق على أنشطة هذه المنشآت التعليمية، على أن يقوم ناظر الوقف، بصرف كسوات للموظفين والتلاميذ الأيتام بمناسبة عيد الفطر أو صرف بدل نقدي بلغ في وثيقة وقف السلطان قايتباي إلى ألفي درهم.

وقد ذاعت شهرة دور الطراز المصرية بما أنتجته من المنسوجات الكتانية والحريرية والتي كانت تصدر في العصور الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية والأوروبية.

وكان الأسلوب الصناعي السائد هو اتخاذ لحمات الأقمشة من الحرير أو الصوف وسداتها من الكتان، بيد أنه وجدت بعض الأقمشة المصنوعة كلياً من الحرير غالباً ما كانت توشى بخيوط من الذهب.

أما طرق زخرفة المنسوجات التي كانت تصنع منها كسوات العيد فقد شملت الصباغة والتلوين والتطريز والطبع والتطبيق (البرودرية) والزخرفة المنسوجة.

وفي ما يتعلق بالأزياء التي كان يرتديها المسلمون فقد تنوعت بحسب الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها أصحابها أو الوظائف التي يعملون بها، وإن اتفقت جميعها في توخي الاتساع والاحتشام ولا فرق في ذلك بين أزياء الرجال وملابس النساء.

فطوال العصور التي سبقت قدوم العثمانيين إلى الولايات العربية لم يتغير زي أرباب الوظائف الديوانية والقضاة، وكذلك كبار التجار والذي كان قوامه «الطيلسان» و«العمامة» الكبيرة، ولكن مع سيطرة الأتراك العثمانيين على هذه الولايات تبدلت الأزياء لتحاكي ما كان يلبسه أتراك القسطنطينية.

فصار زي كبار الأثرياء والتجار مكوناً من «اللباس»، وهو سروال الصيف ويصنع عادة من التيل أو الكتان، ويستبدل في الشتاء بالشرشير، وهو من الجوخ، وبعد ذلك نجد القميص وهو يتدلى حتى العقبين ويلبس فوق السروال وأكمامه واسعة وبالغة الطول، واختص المماليك بارتداء اليلك، وهو صديري واسع وقصير وأكمامه طويلة جداً وبالغة الاتساع، فضلاً عن ذلك كانت هناك ثلاثة أنواع من الأثواب المتسعة المفتوحة من الأمام وهي: القفطان والجبة وكانت تلبس فوق القفطان ثم البنيش.

وجرت العادة بأن يرتدي الموسرون أحزمة من الحرير أو الصوف فوق القفطان ويعتمرون العمامة المكونة من الطربوش الأحمر والشال الأبيض الذي يلف حوله.

أما ملابس النساء في العصر العثماني فقد اشتملت على «اللباس» الذي كان يتخذ من الكتان أو القطن صيفاً، ومن نسيج أكثر سمكاً في الشتاء ويعرف عندئذ بالشنتيان ثم القميص واليلك الذي يختلف عن يلك الرجال في ضيق أكمامه، وقد يستبدل بالفستان المغلق من الأمام، وترتدي النساء «الجبة» فوق الفستان ويعقدن الأحزمة من الخلف بحيث تتدلى على هيئة المثلث. أما غطاء الرأس ويعرف باسم الربطة فكان مكوناً من الطاقية والطربوش من فوقها ثم «القمطة» التي تلف حول الطربوش وتزين باللآلئ والأحجار.

واعتادت النساء عند خروجهن للطريق العام ارتداء التزييرة وهي من ثلاث قطع:

1 -السبلة وهي قميص واسع من التفتاز يغطي كل الملابس ويتدلى حتى يلامس الأرض.

2 -البرقع وهو قناع الوجه ابتداء من أسفل الأنف ويتصل بالربطة من فوق الجبهة من الجانبين، ويتدلى حتى الركبتين.

3 -الحبرة وهي قطعة كبيرة من قماش التفتاز الأسود توضع فوق الرأس وتغطي بها الربطة والملابس واليدين ولا تخلعه المرأة إلا بعد دخولها إلى البيت.

ومهما يكن من أمر الأزياء وتغيرها عبر العصور ومن مكان إلى آخر فقد كان الخياطون هم نجوم شهر رمضان تتكدس في محلاتهم أقمشة الزبائن، وكل منهم يسعى الى الحصول على كسوة العيد له ولأولاده قبل صلاة عيد الفطر، واليوم تحتل محلات الملابس الجاهزة مكانة دون منافسة.