Ad

لعله من المفيد هنا إعادة ما طالبت به في مقالة سابقة حول ضرورة اتفاق مجلس الأمة والحكومة على إحالة القوانين كافة التي تتضمن في طياتها شبهة دستورية إلى المحكمة الدستورية وقانون الاختلاط من ضمنها، لكي تكون قوانين المجلس كافة محصنة دستورياً.

انتشرت في الكويت في بداية السبعينيات ظاهرة أطلق عليها مصطلح «صالات الألعاب الإلكترونية»، كانت تلك الصالات تحتوي على عدد من الألعاب التي يرتادها الشباب الصغار ويضعون في اللعبة 50 فلساً أو مئة فلس «عندما كان للخمسين فلساً قيمة» ويقضون فيها وقتاً للتسلية في غياب مرافق الترويح والترفيه، لم يكن هناك حينها «إنترنت كافيه» ولا «مارينا مول» ولا «أفنيوز» ولا حتى «شارع حب». وشيئاً فشيئاً بدأت سلوكيات سلبية تدخل إلى تلك الصالات نتجت عليها اختلاط «الكبار» المهووسين جنسياً بالصغار الأبرياء، وترتب عليها حدوث إشكاليات وشكاوى، وقد تم تكليفي حينها كباحث في إدارة البحوث بمجلس الوزراء آنذاك، بدراسة الظاهرة واقتراح الحلول المناسبة، وهكذا كان. فأعددت دراسة بعد زيارات ميدانية إلى تلك الأماكن، مؤكداً أن هناك بواعثَ للقلق، ولكنها قابلة للحل واقترحت حينها ضرورة تغيير النهج الذي تقوم على أساسه تلك الصالات، وأهمية إيجاد البدائل اللازمة وأماكن الترويح المناسبة وتعزيزها كمراكز الشباب في المناطق المختلفة، بالإضافة إلى مطالبة أصحاب تلك الصالات بالتوافق مع منهجية تربوية مفصلة تمنع أو تحد من أي ممارسات غير أخلاقية.

فوجئت بعد ذلك كما فوجئ غيري بأن مجلس الوزراء، الذي كان حينها منفرداً بالقرار حيث لم يكن هناك مجلس أمة، قد اتخذ قراراً واحداً فقط، وهو إغلاق صالات الألعاب ضارباً عرض الحائط بالتوصيات كلها التي ذكرتها في تقريري بإيجاد البدائل لأولئك الشباب، ومنافذ الترويح المطلوب توافرها لتلك المرحلة العمرية الحرجة.

وهكذا يتم اتخاذ القرار الأسهل. خلع الضرس بدلاً من علاجه، أما ما يترتب على التخلص من المشكلة بشطبها من السجلات، فهو كما يبدو نمط مكرر لاتخاذ القرار. لكي تحل مشكلة اشطبها أو غيّر اسمها. وهو التوجه نفسه الذي قررت الدولة فيه حل موضوع البدون، فبدلاً من علاجها، يتم «التفنن» في تغيير مسمياتها من بدون، إلى غير كويتي، إلى غير محدد الجنسية، إلى آخر ما تفتق عنه الذهن العبقري وهو «مقيم بصورة غير قانونية»، أما المأساة الإنسانية المستمرة على الأرض ومعاناة عشرات الآلاف من البشر فقد تم شطبها تماماً طالما أنها ألغيت من السجلات.

في السياق نفسه تم معالجة موضوع الاختلاط أو التعليم المشترك بالجامعة، فكان أن تواطأت الحكومة والمجلس على إصدار قانون يقضي بفصل التعليم بالجامعة لتحقيق مكاسب سياسية من دون أن يكون هناك إشكاليات تذكر، ومن دون أن يكون هناك مبرر تربوي، ومن دون أن يهتم الذين أصدروه بالأثر السلبي على العملية التعليمية، ومن دون أن يقيّموا قدرة الجامعة على تطبيقه، ومن دون حتى أن يلتفتوا إلى أن ذلك التطبيق المشوه سيؤدي إلى شبهة مخالفة دستورية، ومن دون أن يضعوا في الاعتبار أنهم يقومون ببتر التعليم بالجامعة عن السياق العام للمجتمع.

جاء الحل بإصدار قانون بالطريقة النمطية نفسها، فلم يعد مهماً نتائجه السلبية، ولم يعد مهماً إن كان القرار جيداً للتعليم أم لا، ولم يعد مهماً حتى إعادة تقييم القرار قبل وبعد التطبيق.

يأتي في هذا السياق الخطوة الشجاعة التي قام بها نواب التحالف الوطني بتقديمهم مشروع قانون لتعديل القانون السابق، وهي خطوة لا أدري إن كانت ستنجح في تحقيق هدفها أم لا، حيث سيأخذ المشروع وقته في أروقة مجلس الأمة حتى حين، ولكنها في كل الأحوال خطوة تستحق التشجيع والإشادة.

ولعله من المفيد هنا إعادة ما طالبت به في مقالة سابقة حول ضرورة اتفاق مجلس الأمة والحكومة على إحالة القوانين كافة التي تتضمن في طياتها شبهة دستورية إلى المحكمة الدستورية وقانون الاختلاط من ضمنها، لكي تكون قوانين المجلس كافة محصنة دستورياً، وألا تُترك الأمور هنا للوضع السياسي السائد ويعتلي كل فريق صهوته ليصدر تشريعات مخالفة للدستور، ثم يأتينا ليقسم أمام الملأ بالتزامه بالدستور.

أحيلوا القوانين إلى المحكمة الدستورية، وأنهوا حالة الميوعة السياسية، إن كنتم صادقين.