استقالة وزيرة الصحة الدكتورة معصومة المبارك كانت خطوة موفقة وجريئة، وإن كان من الظلم اتهامها بالتقصير تجاه حريق مستشفى الجهراء لأن تصميمه قديم وخطط الطوارئ موضوعة قبل تسلمها الوزارة التي أمضت فيها خمسة أشهر فقط، فيبدو أن تقليص نفوذ النواب في ملف العلاج في الخارج لم يعجب نواب التجاوزات، لكن هناك في النهاية مسؤولية سياسية تتحملها الوزيرة ولهذا السبب جاءت هذه التسمية لأنها تتحمل وزر ما يحدث في قطاعها.
لكن كنت أتمنى ألا تأتي هذه الاستقالة الآن، بل في العام الماضي وتحديداً في شهر مايو عندما انقلبت الحكومة على اقتراحها بشأن تعديل الدوائر، ووضع الوزراء جميعهم في اختبار القبول بسيادة رأي الأقلية غير الإصلاحية في الحكومة أو الإصرار على الموقف الداعم لتعديل الدوائر والاستقالة، وهو الاختبار الذي لم ينجح فيه سوى الدكتور أنس الرشيد، فمنذ ذلك الوقت فقد بقية الوزراء قدرتهم على الإصلاح وأصبحوا مجرد موظفين كبار يتم قصهم ولزقهم هنا وهناك حسب الحاجة. وهذا بالضبط ما حصل للدكتورة معصومة التي استلمت حقيبة الصحة بعدما تقاذفها الباقون كالجمرة فكانت هذه النهاية، قد يشهد التاريخ للدكتورة بأنها خرجت بذمة نظيفة واجتهدت لتحقيق الإصلاح خلال سنتين من توليها ثلاث وزارات، لكنه سيذكر أيضا أنها سقطت في أهم امتحان خلال تلك المسيرة. من ناحية أخرى، أتمنى أن تشكل هذه الاستقالة بداية لتغيير حقيقي في أسلوب تشكيل مجلس الوزراء لأن الوضع لم يعد يحتمل أن تكون نتائج الانتخابات في وادٍ وطريقة تشكيل الحكومة في واد آخر، فكل ما تعانيه الحكومة من تعثر منذ أكثر من سنة هو من تبعات قراءة نصف الرسالة التي خطها الشعب في الانتخابات الماضية، فقد تم استبعاد وزراء التأزيم، لكن ظهر لنا وزراء تأزيم جدد لأن أساس تشكيل الحكومة لم يرتق إلى نتائج الانتخابات، فلن يكون هناك استقرار حكومي إلا بتشكيل حكومة تكتلات تحظى بدعم وغطاء حقيقي من مجلس الأمة، ومن دون هذا التغيير سيستمر عزوف أصحاب الرأي والكفاءة السياسية عن دخول الحكومة. لكن المضحك في هذا الحدث هو تحدث النائب د.وليد الطبطبائي وكأنه حامي الديار والمتصدي لحقوق المواطنين وتصحيح الوضع الصحي المتردي، فإذا لم تكن خمسة أشهر كافية لتشفع للدكتورة معصومة فماذا عن خمس سنوات قضاها الوزير السابق د.محمد الجارالله على رأس الوزارة، والتي كانت تكفي لإحداث تقدم كبير في الخدمات الصحية، لكن ما حصل هو العكس، حيث زادت المشاكل والمحسوبيات في تلك الفترة وبدأت هجرة الأطباء إلى الخارج، وكانت تلك الحقبة هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخ وزارة الصحة بشهادة الكثير من الأطباء، لكن كان النائب د.الطبطبائي مؤيداً لتلك الحقبة وتحدث مدافعاً عن الوزير في استجواب النائب السابق سيد حسين القلاف وسافر هارباً عند استجواب النائب بورمية للوزير نفسه، وكان يبرر لأخطاء الوزير الجارالله ولمشاكله مع الجمعية الطبية، وكان يقول إن «هناك خللاً في جميع وزارات الدولة، ومو بعيدة أن يمتد هذا الخلل وينتشر في وزارة الصحة»!، فإذا كان هذا الكلام صالحاً لتبرير الأحداث التي حصلت في عهد الجارالله، فلماذا لا يكون صالحا الآن لتبرير حريق مستشفى الجهراء؟! ولا يقف الموضوع عند هذا الحد «فمن زود شينه قوات عينه» مثلما يقول المثل، فهو يهاجم الوزيرة بسبب ملف العلاج في الخارج بينما نشرت الزميلة «القبس» وثيقة له يطلب فيها من الوزيرة تمرير معاملة علاج في الخارج من دون المرور على اللجنة، وأعتقد أن في جعبة الوزيرة المستقيلة الكثير من هذه النماذج التي تدينه هو وغيره من الذين يكيلون بمكيالين، فرجاءً يا دكتور وليد كفى استعراضا ومزايدة، فأنت أحد الداعمين لأسوأ حقبة في وزارة الصحة.
مقالات
علينا يا الطبطبائي!
29-08-2007