واقع بلادي من وحي البطيخ!
تحت تأثير أو تخدير، لا فرق، معادلة البطيخ والعطش والصيام، تحولت هذه المنطقة من طريق الفحيحيل السريع إلى نقطة اختناق مروري دائم، شهدت خلال رمضان حوادث عدة كادت تودي بحياة الكثيرين.
في مسار عودتي من عملي على طريق الفحيحيل السريع وتماماً في المنطقة الواقعة ما بين منطقتي المنقف والصباحية، تتوقف عدة «وانيتات» لباعة البطيخ من مختلف الجنسيات. ولابد من التنويه هنا بأن البطيخ المقصود هو ما نسميه بالعامية الرجِّي (بالجيم المصرية) ولا يتجاوزه إلى ابن عمه الشمّام والذي نسميه بطيخاً دون أي وجه حق!أدت هذه السوق البطيخية المشتركة إلى حصول اختناق مروري، خصوصا في أوقات الذروة، حيث تتباطأ السيارات بالقرب من منطقة البطيخ، إما لرغبة السائقين في التفرج على أكوام البطيخ الخضراء زاهية الألوان، والتي تفنن الباعة في صفها بإتقان، وتزيينها ببعض البطيخات التي شطرت بعناية لتكشف عن لبها الأحمر الذي يسيل له اللعاب، خصوصاً والناس صيام والموعد قبيل الإفطار، وإما جبراً بسبب تباطؤ السيارات التي أمامهم! تحت تأثير أو تخدير، لا فرق، معادلة البطيخ والعطش والصيام، تحولت هذه المنطقة من طريق الفحيحيل السريع إلى نقطة اختناق مروري دائم، شهدت خلال رمضان حوادث عدة كادت تودي بحياة الكثيرين، وقد شاهدت بأم عيني وأبيها ولأكثر من مرة كيف انحرف شخص بسيارته من أقصى اليسار، دون مبالاة بالسيارات القادمة إلى أقصى اليمين لأجل البطيخ، وكيف تقتحم السيارة الطريق السريع مرة أخرى بعدما يظفر صاحبها ببطيخته دون انتباه لحركة السير!رأيت في هذه الصورة البطيخية تشابهاً كبيراً مع واقع بلادي اليوم، فباعة البطيخ يبيعون بطيخهم من دون ترخيص وفي غير المكان المخصص بلا أي اهتمام بالمشكلة المرورية التي تسببوا فيها، وسائقو السيارات إما انه شخص لا يشعر بالمشكلة، وإما أنه شعر بالمشكلة لكن التزم الصمت أو لم يكترث، وإما آخر عبر عن سخطه ورفضه بإطلاق النفير، وإما شخص قرر أن يشارك في احتفالية البطيخ ما دام الأمر قد صار بطيخا في بطيخ، وأن يحصل على بطيخته، فاندفع نحوها لا يلوي على شيء. وأما الأجهزة المسؤولة فلا تحرك ساكناً، إما تكاسلاً وإما من باب عدم إدراك حجم الخطر الناشئ عن هذه السوق البطيخية، أو ربما يكون الأمر بسبب عدم معرفة على من تقع المسؤولية، فشرطة المرور لا علاقة لها بالبطيخ وشؤونه، والبلدية لا شأن لها بالمرور ومساراته، فصار الأمر لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!البلد كلها صارت أشبه بهذه السوق، فأصحاب المصالح يمارسون أنشطتهم أينما أرادوا وفق ما أرادوا عبر إرادتهم النافذة وعلاقاتهم المتشعبة، بعيداً عن المحاسبة الحقيقية، ودون أي اكتراث بالنتائج الكارثية التي تنعكس على البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والشعب إما شخص لا يشعر أو لا يبالي، وإما شخص يعبر عن رفضه وسخطه بالجعجعة والاكتفاء بإطلاق النفير، وإما آخر حين رأى الأمر كذلك، قرر أن يشارك في «الكرنفال» من باب أن «من صادها عشّى عياله»!هذا المشهد المفارقة، وهذا الواقع الأليم، جعلني أؤمن أكثر وأكثر بثبات المقولة الكويتية الخالدة بأن «الديرة فعلا صارت ديرة بطيخ»!