لم يكن أمام سورية أي خيارٍ آخر إلا خيار الذهاب إلى مؤتمر «أنابوليس» حتى إن أدى هذا إلى ما هو أكثر من العتب من قبل الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أن هذه الدولة العربية الرئيسة غدت بمنزلة «برغي» صغير في الآلة الإيرانية الكبيرة، فسورية شعرت بأنها ارتكبت خطأً فادحاً عندما استبدلت «العمة بالخالة» وعندما أدارت ظهرها لمحيطها العربي.لم تسلم دمشق من صيحات المتظاهرين الإيرانيين، الذين استهدفوا السفارة الأردنية في طهران يوم الثلاثاء الماضي أي قبل ساعات قليلة من انعقاد جلسة مؤتمر «أنابوليس» الرئيسة الأولى، فهؤلاء قالوا مما قالوه: «عارٌ عليك يا سورية» والمقصود هنا هو المشاركة السورية في هذا المؤتمر، مع أن الوفد السوري جاء أقل تمثيلاً من الدول العربية الأخرى التي كان تمثيلها على مستوى وزراء الخارجية.
وهذا يقطع الشك باليقين بأن إيران التي هاجمت هذا المؤتمر، بلسان مرشدها علي خامنئي ولسان رئيسها محمود أحمدي نجاد، هجوماً عنيفاً وحكمت عليه مسبقاً بأنه سيكون فاشلاً فوجئت بالمشاركة السورية فيه، وأحست بأن الولايات المتحدة قد أفلحت في اختطاف حليفها الرئيسي وأنها قد تعاني، إذا استكمل السوريون خطوتهم هذه بخطوات أخرى، من عزلة حقيقية مكلفة.
وحقيقة أن الإيرانيين كانوا قد شعروا باهتزاز تحالفهم المتين القديم مع سورية عندما بادرت دمشق إلى إلغاء ذلك المؤتمر الذي كان مــن المفترض أن ينعقد بأموال إيرانية للتشويش على مؤتمر «أنابوليس» وعندما أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في آخر زيارة له إلى العاصمة السورية بأن بلده ضد المساس بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وأنها ضد استهداف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن).
والمؤكد أيضاً أن طهران قد أحسّت بما هو أكثر من المغْص في أمعائها عندما استقبلت دمشق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ذلك الاستقبال الحافل خلال زيارته الأخيرة التي قام بها إلى العاصمة السورية، والتي كان هدفها الرئيسي إعادة سورية إلى أسْرتها العربية وإقناع «الأشقاء» السوريين بأن مصلحتهم تقتضي ألا تكون علاقاتهم مع إيران على حساب علاقاتهم مع العرب، وأنه في غير مصلحتهم ومصلحة بلدهم أن يعزلوا أنفسهم وأن يقاطعوا مؤتمراً دولياً على كل هذا المستوى من الأهمية هو مؤتمر «أنابوليس».
إنها أول خطوة على طريق التباعد بين حليفين بقي تحالفهما صامداً نحو أكثر من ربع قرن، لكن ورغم أن هذا الذي حصل يشكّل شرخاً حقيقياً بين سورية ودولة أصبحت العلاقات معها أمتن وأكثر تطابقاً من العلاقات مع كل الدول العربية مجتمعة ومتفرقة فإنه يجب عدم التسرع، فدمشق لم تقبض ثمن طلاقها مع إيران بعد، و«الأشقاء» السوريون عوَّدوا الآخرين على أنهم بارعون في إتقان لعبة حمْل بطيختين بيد واحدة.
إنه ما كان من الممكن إلا أن تحضر دمشق هذا المؤتمر حتى إن جاء إدراج قضية الجولان على جدول أعماله بصيغة مُواربة وغير واضحة، فظروف سورية الداخلية في غاية الصعوبة، والشعب السوري لم يعد يقبل باستمرار حالة اللاحرب واللاسلم المستمرة منذ أكثر مــن ثلاثين عاماً، بينما الاحتلال الجاثم على صدر هضبة الجولان مستمر منذ العام 1967، ثم إن عــدم الذهاب إلى «أنابوليس» بغض النظر عن سلبياته التي قد تكون كثيرة وإيجابياته التي قد تكون قليلة قد يؤثر سلباً في العلاقات السورية-التركية النامية، وهو حتماً سيفتح أبواباً جديدة لمزيد من الضغط الإقليمي والدولي على القيادة السورية.
لم يكن أمام سورية أي خيارٍ آخر إلا خيار الذهاب إلى مؤتمر «أنابوليس» حتى إن أدى هذا إلى ما هو أكثر من العتب من قبل الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أن هذه الدولة العربية الرئيسة غدت بمنزلة «برغي» صغير في الآلة الإيرانية الكبيرة، فسورية شعرت بأنها ارتكبت خطأً فادحاً عندما استبدلت «العمة بالخالة» وعندما أدارت ظهرها لمحيطها العربي، والقيادة السورية لم تعد قادرة على تبرير بقاء الجولان محتلاً كل هذه الفترة للشعب السوري، خصوصاً بعد حرب صيف العام الماضي بين حزب الله وإسرائيل التي لم تتردّد دمشق في ركوب أمواجها العالية، ولم تتردّد في أن ترفع بعد «الانتصار الإلهي» الذي حققه هذا الحزب شعار: «المقاومة هي الحل»!!.
* كاتب وسياسي أردني