يبدو أن الآلية التصويتية ستؤدي دوراً أساسيا في تسهيل النزول وخوض غمار الانتخابات لدى بعضهم، حيث سيتصور أولئك البعض أنه إذا سيطرت «البلوكات» الكبرى في الدائرة على أربعة مقاعد أو حتى على ثمانية مقاعد فإنه يبقى هناك مقعدان مفتوحان لأصحاب الحظ، وهي حسبة تحتاج إلى إعادة نظر.ليس هناك إمكان للتنبؤ بنتائج الانتخابات القادمة، كما أنها من المتوقع أن تكون حملة بلا قضايا. وسرعان ما سيدرك المرشحون الباحثون عن الفوز تعقيدات وتفريعات الخريطة الانتخابية، فهي ليست كسابقاتها، ومع أنه من المفترض أن أغلبية النواب ومن يفكر بالترشيح قد تدارسوا مستجدات الانتخابات القادمة، إلا أن الكثير منهم ظل يدرس على مهل انطلاقاً من أن موعد الانتخابات هو في سنة 2010. أما الآن وبعد أن تم تحديد الموعد لم يعد أمام من ينوي الترشّح خيارات كثيرة، فإما خوض الانتخابات بناء على دراسة مستفيضة وتحديد مدى فرص النجاح من عدمها، وإما خوضها وترك الأمور لظروفها وإما الانسحاب المبكر وحفظ ماء الوجه، وبالطبع هناك مرشحون ليس لديهم ماء في الوجه ليحفظوه على أي حال.
والشاهد أن عدداً لا بأس به من المرشحين مازال يفكر بعقلية الخمس والعشرين دائرة، ولم يتمكن حتى من تكييف نفسه على الحالة الخماسية الجديدة، ولعلّي أتذكر جيدا عندما أدرت ندوة حول الدوائر الخمس منذ عدة أشهر، وشارك فيها أربعة من النواب الجادين الذين يتمتعون بإدراك انتخابي حاد وعندما وجهت لهم سؤالاً حول ماهية رؤيتهم لطبيعة التغيرات التي ستحدث نتاجاً لتخفيض الدوائر الانتخابية من خمس وعشرين إلى خمس دوائر، لم يجب أي منهم عن السؤال وكانت اجاباتهم عامة غير مركزة، وظلوا يكررون انتقاداتهم للحكومة، حينها، كان واضحاً أن الصورة مشوشة على أحس تقدير وغير موجودة على أسوأ تقدير.
ولعلنا نلاحظ أن عدداً من النواب السابقين أو المرشحين المزمنين قد أعلنوا بأنهم مازالوا يدرسون الوضع وأنهم لم يقرروا حتى الآن إن كانوا سيخوضون الانتخابات أم لا، وتلك ليست إلا حالة طبيعية من عدم الوضوح حين حدوث تغيير كبير في بنية وهيكلية الدوائر الانتخابية، فقد حدث ذلك مثلا عام 1981 حين أجريت الانتخابات على أساس الخمس والعشرين دائرة لأول مرة، حيث ارتفع عدد المرشحين بصورة غير مسبوقة في تلك الانتخابات ظناً من أولئك المرشحين بسهولة الفوز، وبالطبع يضاف إلى ذلك «التشجيع» الحكومي لإغراق الانتخابات بأكبر عدد من المرشحين لتشتيت الأصوات وإسقاط مرشحين محددين، أما ما تلاها من انتخابات فقد استقرت الأعداد بعد إدراك التجربة، ويبدو أن الآلية التصويتية «أربعة أصوات فقط لكل ناخب» ستؤدي دوراً أساسيا في تسهيل النزول وخوض غمار الانتخابات لدى بعضهم، حيث سيتصور أولئك البعض أنه إذا سيطرت «البلوكات» الكبرى في الدائرة على أربعة مقاعد أو حتى على ثمانية مقاعد فإنه يبقى هناك مقعدان مفتوحان لأصحاب الحظ. وهي حسبة تحتاج إلى إعادة نظر، حيث سيعلم الذين حسموا قرارهم على هذا الأساس خطأ حساباتهم.
ولا يوجد حتى هذه اللحظة معادلة سحرية للفوز، ولكن المؤكد أن تلك المعادلة ستقوم على أساس القدرة على إقامة تحالفات مقنعة، والتركيز على الصوت النسائي، فالنساء يمثلن أغلبية القوة التصويتية، ونأمل ألّا يركن الراكنون على التصويت النسائي التقليدي، فخيارات الأربعة غير خيارات الاثنين.
ومهما كانت النتائج، وكيفما اتجهت، فإننا نظل بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات لكي تؤتي الديموقراطية أُكُلها.
* جاسم كرم
يرقد الأخ والصديق الدكتور جاسم كرم في المستشفى، وقد بلغ منه المرض مبلغه، دعواتكم له بالشفاء.