هل كنا بحاجة إلى أن تموت يا أحمد الربعي؟!

نشر في 04-05-2008
آخر تحديث 04-05-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

هل كنا بحاجة إلى أن نفقد أحمد الربعي حتى نرى إيجابياته ومحاسنه؟ هل كنا بحاجة إلى أن يرحل لنعترف كم كان وطنياً مخلصاً صادقاً محباً لوطنه وأهله وعروبته وأمته؟! وهل لانزال بحاجة إلى أن يرحل المزيد من أبناء هذا الوطن، ليجبرنا الموت على إعادة النظر واكتشاف كم كانوا من المخلصين الصادقين؟

قد يبدو للقارئ أن مقالي هذا يأتي متأخراً جداً، فالفقيد د. أحمد الربعي قد رحل عن دنيانا منذ قرابة الشهرين، ومن كان ناعياً فقد نعى، ومن كان راثياً فقد رثى، لكنني، كنت طوال الفترة الماضية أرصد ما يجري، وأتيت اليوم مقارباً للموضوع من جهة أخرى، غير الجهات التي انهمرت منها المقالات التي نعت ورثت الفقيد الراحل.

لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي على الإطلاق، ذلك الكم الكبير من كلمات ومقالات الرثاء التي قيلت وكتبت بعدما رحل أحمد الربعي على ألسنة وأقلام أصدقائه وزملائه ومحبيه، فالرجل لم يكن شخصاً عادياً. كان الربعي رجلا استثنائيا مثيراً في حياته، وكان من المحال ألا يكون استثنائياً مثيراً كذلك في مماته. المفاجئ بالنسبة لي هو كم المقالات وكلمات الرثاء التي جاءت من خصوم الرجل، وخصوصاً من الإسلاميين!

اليوم، وبعد رحيله، أضحى أحمد الربعي في نظرنا صوتاً وطنياً جريئاً صادقاً صريحاً أفنى عمره من أجل الكويت، في حين أنه كان في عيوننا منذ سنوات قليلة لم تتلاش مشاهدها من الذاكرة ولم تضمحل ألوانها عن باطن العين، رأساً من رؤوس العلمانية وخصما نكداً، بل وكان في نظر بعضنا، هدانا الله جميعاً، من أعداء الإسلام الذين توجه إليهم الدعوة بالتوبة والإنابة إلى الله، فيا سبحان من غيَّر الأحوال من حال إلى حال!

ما الذي حصل اليوم يا ترى؟! ولماذا لم نكن نبصر الرجل يوم كان حياً يمشي بيننا إلا بمنظار الخصومة؟ لماذا لم نكن نكتب عنه إلا بلسان النقد والهجوم والتصدي؟ لماذا كنا نراه دائما في الجانب الآخر المختلف البعيد، وما كانت عيوننا تسقط إلا على اختلافاته عنا؟ لماذا لم نكن نسمح لأنفسنا أن نتوقف قليلا ونفكر فنرجع البصر كرتين، علنا نرى شيئاً يختلف عما دأبنا على رؤيته فيه؟! لماذا... ولماذا... ولماذا؟!

هل كنا بحاجة إلى أن نفقده حتى نرى إيجابياته ومحاسنه؟ هل كنا بحاجة إلى أن يرحل لنعترف كم كان وطنياً مخلصاً صادقاً محباً لوطنه وأهله وعروبته وأمته؟! هل كنا بحاجة إلى أن يتوقف قلبه عن الخفقان وكلماته عن التردد وحبر قلمه عن الجريان لندرك أخيراً أن مساحات الاتفاق ومفاتيح الحياة بيننا وبينه كانت أكثر بكثير من مساحات الاختلاف وأقفال الموت؟! هل كنا بحاجة إلى أن يموت حتى نرى كل هذا؟!

وهل لانزال بحاجة إلى أن يرحل المزيد من أبناء هذا الوطن، ليجبرنا الموت على إعادة النظر واكتشاف كم كانوا من المخلصين الصادقين؟ هل نحن بحاجة إلى ذلك حقا؟!

ما بالنا لا نغتنم سعة الحياة بحثاً عن مساحات التلاقي بيننا وبين من حولنا بدلاً من أن يضطرنا ضيق الموت لاستذكارها يوم يرحلون. لماذا لا نسعى للوصول إلى نقاط الاتفاق معهم في حياتهم، بدلاً من التحسر على ما كان يمكن أن يكون من تعاون وخير لولا أنهم رحلوا؟!

منذ أيام كنت أتابع الحوار الانتخابي الذي أجراه الإعلامي يوسف الجاسم على قناة «القرين» مع المرشـــحين خالــد ســــــــلــطان العيـــــــسـى وعبد الرحمن العنجري. ليلتها استوقفتني عبارة قالها العنجري، وهو رجل أتوسم فيه الخير لما وجدت فيه من طرح متميز ونظرة مختلفة راقية.

قال إن مساحات الاتفاق بيننا (يعني الليبراليين والإسلاميين) كبيرة جداً، وأخذ يعدد هموم التنمية، والإصلاح الاقتصادي، وإصلاح التعليم والصحة والرعاية السكنية، وأضاف أنه لو صرفنا جهدنا نحو التعاون في هذه المجالات لحققنا الكثير ولانشغلنا عن الخلافات.

نعم يا سادتي، إنها دعوة للجميع، من إسلاميين وليبراليين، لمد يد التعاون لبعضهم بعضاً والانشغال بالمشتركات ومساحات الاتفاق من أجل هذا الوطن وهذا الشعب، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة...

رحمك الله يا دكتور أحمد.

back to top