Ad

قد نبرر خضوع رجل الشارع لمشاعره وانقياده للإشاعات والحجج غير المنطقية، ولكن أن يقع أعضاء المجلس والحكومة ممن يملكون السلطة للبحث والاستطلاع في بيانات ومعلومات قد تخفى عنا، فهذا غير الطبيعي وغير المقبول. ونشكر للسيد رئيس مجلس الوزراء صراحته وشفافيته إلا أننا نعتب عليه التأخر في توضيح الحقيقة.

لقاء رئيس مجلس الوزراء مع الزميلة «الراي» يوم الأحد 30 مارس حمل العديد من الرسائل والقضايا المهمة التي تستحق وقفة جدية وتفكيراً عميقاً فيما تحمله من دلالات ومؤشرات، ولكن أهم المؤشرات في رأيي هو كشف واقع العقلية الكويتية المرير الذي يشكل رابطاً خفياً وراء معظم إن لم يكن كل القضايا التي تطرق لها اللقاء.

تعاني الحضارات الشرقية بشكل عام والعربية بشكل خاص ضعفاً شديداً في القدرة على التفكير الموضوعي والنقدي، وهذا بشكل عام يعود إلى عدة أسباب أهمها التنشئة في مجتمعات عاطفية قسرية وسيادة الديانات والمعتقدات القدرية والجامدة ونظم التعليم القائمة على تعميد وترسيخ تلك المعتقدات وهياكل التفكير. والكويت ليست استثناء، فالعقلية المجتمعية قائمة على الفكر الجماعي غير السوي الذي يعتمد على «كلهم يقولون» من دون أقل قدر من التمحيص أو التحليل أو حتى البحث البسيط.

لنأخذ قضية تأبين مغنية على سبيل المثال لا الحصر، حدث مفاجئ أو غير اعتيادي (التأبين) أثار مشاعر عميقة وصادقة (الغضب، الاستياء ، الحزن، خيبة الأمل... إلخ)، وحتى هذه اللحظة رد الفعل طبيعي، ولكن أن تتسارع الأمور إلى درجة الانقسام الطائفي الذي وصلنا إليه في ظل ظروف نحن في أمس الحاجة فيها إلى الوحدة الوطنية، فذلك هو غير الطبيعي، على الرغم من أنه اعتيادي جدا في الكويت للأسف. والأكثر غرابة أن يدخل كل من المجلس والحكومة القائمين على أمور الدولة في نفس الدوامة العاطفية التي كادت أن تعصف بالبلاد.

الإنسان المنطقي ذو التفكير السليم يستطيع أن يفصل بين مشاعره واعتقاداته وافتراضاته وبين الحقائق والوقائع، على سبيل المثال، هنالك إشاعات وأحاديث حول تورط مغنية في اختطاف الجابرية، ولكن هنالك تضارب في «الأقوال»: فهنالك من يدّعي أنه العقل المدبر للاختطاف، وهناك من يقسم أنه رآه في الطائرة، وآخرون يدّعون أنه من ضمن المسجونين الذين تفاوض الخاطفون لإطلاق سراحهم. ولا يمكن منطقياً أن تكون كل هذه الروايات صحيحة. وهنالك أسئلة مشروعة من مثل: لمَ لم يصرح شهود العيان بتلك المعلومات وقت الاختطاف حيث الصور والأسماء طازجة في ذاكرتهم؟ ولمَ تأتي هذه الشهادات على صفحات الصحف بعد ما يزيد على 20 عاماً؟ أليست هذه الشهادات كافية لرفع القضية إلى الإنتربول وطلب القبض على مغنية للتحقيق معه؟ ولمَ كان أمر القبض ضده من الولايات المتحدة بسبب «شكوك» حول دوره في تفجير السفارة الأميركية في بيروت؟ ولمَ لم تشمل القضايا الرسمية ضده اختطاف الجابرية طالما وجدت شهادات عيان و«معلومات مؤكدة لدى أمن الدولة»؟

قد نبرر خضوع رجل الشارع لمشاعره وانقياده للإشاعات والحجج غير المنطقية، ولكن أن يقع أعضاء المجلس والحكومة ممن يملكون السلطة للبحث والاستطلاع في بيانات ومعلومات قد تخفى عنا، فهذا غير الطبيعي وغير المقبول. ونشكر للسيد رئيس مجلس الوزراء صراحته وشفافيته إلا أننا نعتب عليه التأخر في توضيح حقيقة عدم وجود دلائل مادية على تورط مغنية في قضية الجابرية، إذ كان بإمكانه منع الكثير من الاحتقان الذي ساد في المجتمع.