هذه الوثيقة، وبعد إعلان موقف صاحب السمو، سوف ترسخ إجماعاً كويتياً على مرجعية الدستور بغض النظر عن التوجيهات الفكرية والسياسية والفئوية والمذهبية وتوفر المظلة الوطنية للمحافظة على كيان الدولة باعتبارها بيت الجميع.يتساءل بعضهم عن مبررات قيام القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة بإعلان وثيقة للدفاع عن الدستور والمكتسبات السياسية، ويتمادى بعضهم الآخر في الذهاب أبعد من ذلك والتجاهر باستنكار هذه المبادرة والتحريض عليها، وذلك في مقابل الجبهة الوطنية العريضة التي ترى في مثل هذه الوثيقة صمام أمان للديموقراطية والمحافظة على المكتسبات الدستورية، وإلى هذا الحد يبقى الفرز الحقيقي للمواقف قائماً بوضوح كل حسب قناعاته ومبادئه ضمن إطار الرأي والرأي الآخر، ولكن المستغرب هو الرأي الثالث الذي يحاول دس السم في العسل ويسعى إلى خلط الأوراق وصولاُ إلى التجرؤ في اقتحام مقام مسند الإمارة في هذا الجدل السياسي، وخصوصاً بعد إعلان صاحب السمو الأمير بحسم مسألة الحل غير الدستوري في مناسبتين عامتين خلال الفترة الماضية، والعزف على وتر الفتنة بأن هذه الوثيقة موجهة إلى القيادة السياسية فقط.
وإذا كانت كلمة الفصل التي تفضل بها سمو الأمير قد أضفت شعوراً وارفاً بالأمان السياسي وشكلت حجر أساس في استقرار النظام العام وحصناً منيعاً للمحافظة على هيبة الدستور، فإن وثيقة الشرف التي لابد أن ترى النور بشكل صريح تعتبر الجناح المكمل لهذا الاستقرار العام ونموذجا راقيا بين طرفي العقد الاجتماعي، وهما الحاكم والمحكوم، في التعهد لترسيخ دعائم النظام الدستوري.
وعلى العكس تماماً من نوايا المغرضين، فإن وثيقة الشرف هذه تعد بدورها كلمة فصل أخرى نابعة من الضمير الشعبي وصدى طيب لموقف صاحب السمو الأمير، فإذا كان موقف سموه يمثل قمة الضمان السياسي، وتعهده أمام الملأ بالمحافظة على الدستور أمر غير مفروض على سموه وإنما نابع من حمل أمانة كبيرة، وهو رئيس السلطات جميعاً فالأجدى أن تتخذ القاعدة الشعبية تلك الروح المسؤولة، وإذا كانت محاولة إعداد الوثيقة مبادرة سياسية، فإنها بعد كلام سمو الأمير حتمية تاريخية.
ولذا يجب أن تطوى صفحة الترويج والتلميح حول التشكيك بالدستور والالتزام بأحكامه إلى الأبد وألا تستغل كثرة الحديث في هذا الشأن كنوع من العبث السياسي والمساومة في تمرير صفقات المصلحة والتنفيع والترهيب والترغيب سواءً تحت غبار إشاعات الحل غير الدستوري أو حتى تحت ظلاله! ويكفي أن نستقرئ صفحات التاريخ لنرى حقيقة المواقف من مختلف القوى السياسية والشخصيات من الدستور وثوابته أثناء تجربتي تعطيل الحياة البرلمانية!
فهذه الوثيقة، وبعد إعلان موقف صاحب السمو، سوف ترسخ إجماعاً كويتياً على مرجعية الدستور بغض النظر عن التوجيهات الفكرية والسياسية والفئوية والمذهبية وتوفر المظلة الوطنية للمحافظة على كيان الدولة باعتبارها بيت الجميع، وتكشف المشككين والمتربصين الذين لا تحلو لهم حياة العبث والتنفيع إلا في غياب الديموقراطية وإلغاء دور القانون.
ويمكن أن نشير فقط إلى تقارير ديوان المحاسبة من الفترة بين عام 1986 وحتى 1992، لنعرف إحدى بركات بقاء هذا الدستور حيث تبعثر أكثر من 6 مليارات دينار من دون سند من القانون أو الشفافية المالية في جيوب وشركات ومؤسسات بنيت منها إمبراطوريات وشبكات أخطبوطية من النفوذ الاجتماعي والسياسي لا زلنا ندفع ثمن جرائمها في التنمية والإحساس بالمواطنة والخلوص في الانتماء الحقيقي للوطن.