الانتخابات ثقافة وكلام بامتياز!
كيف لانتخابات حرة وديموقراطية، ترسم مستقبل أمة أن تكون بلا ثقافة؟ وكيف لممارسة سياسية راقية تدل على وعي وثقافة، أن تمارس بلا ثقافة؟
هناك من ينظر للمبدع والفنان والمثقف، بوصفه إنساناً بعيداً عن الواقع، يعيش في برجه العاجي، بين كتبه وأبحاثه وأفكاره ورؤاه، منغمساً في منطقة الحلم، ومنفصلاً عن أرض الواقع، وغير منتم إلى مشاكل وهموم أمته، لكن هذا الرأي، على وجاهته، ليس بالرأي الصحيح، فالمبدع والفنان والمثقف منوط بهم، أكثر من غيرهم أن يكونوا طليعة مجتمعهم، وأن يكونوا لسان فكره وحاله. لذا فإن الظرف السياسي الذي تمر به الكويت، بحلّ مجلس الأمة حلاً دستورياً بإرادة سامية من صاحب السمو أمير البلاد، وإجراء انتخابات شرعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة، يتطلب من المبدعين والفنانين والمثقفين دوراً مضاعفاً، ينطلق من قيمة الثقافة والكلمة، وفعلهما لدى المتلقي. إن فترة النشاط السياسي التي تشهدها البلاد، وانعكاسها على مجمل مجريات الحياة اليومية، هي فترة ثقافة وكلمة بامتياز، فترة ثقافة؛ لكون المثقف هو الأقدر على التمعن في صدق الكلام من كذبه، وهو الأقدر على وزن الأمور بميزان الحقيقة والمنطق، وبالتالي تخيّر الأصح في ما بينها، وهي فترة كلمة؛ لأن الكلمة وحدها هي سلاح المرشحين، فبالكلمة يكون الوعد والإقناع. لذا تتحول الكلمة، في هذا الظرف، إلى سلاح خطير، قد يقود إلى الصلاح والخير، وقد يكون كذباً وزوراً فيقود إلى الخراب والدمار. يذكر الشاعر عباس بيضون، في مقالة منشورة له في الملحق الأسبوعي الثقافي، لجريدة «السفير» اللبنانية، بعنوان «ساعة التخلي»، موضحاً قيمة الكلام ودوره الكبير في أي مجتمع من المجتمعات: «الأذى لا يأتي دائماً من المنطق ولا من الفكرة ولا من الحجة، قد يأتي أكثر من الهذر والرغاء والهذيان والتهريج والرخص بكل أشكاله، قد يأتي أكثر من الكذبة والافتراء والشائعة، قد يأتي من الاختلاق». نعم إن للكلام دوراً حاسماً في بيان الحقيقة، وبثها بين الناس والترويج لها، ومن ثم إيصال أهلها إلى مجلس الأمة، مثلما له دور آخر، في إضفاء صفة الحقيقة والصدق في ما لا حقيقة ولا صدق فيه. وبالتالي وجب التنبه الى معسول الكلام، وفرز سمينه عن غثه. وإلا كانت العاقبة وبالاً على الكويت وأهلها. إن الثقافة لا تنحصر في الكتاب واللوحة والمسرحية والفيلم السينمائي، بل الثقافة أعم وأشمل من ذلك، وهي في أجمل وأهم تجلياتها نسق حياة، وهي ممارسة تنطلق من إيمانها بالحرية والحب والعدالة والمساواة، وهذا لا ينفصل في أي حال من الأحوال عن إيمانها بالعلم والإبداع والفكر في حياة أي أمة من الأمم.